اخبار هامة

    سوق السبت في إب.. تراث ومصدر حياة

    سوق السبت في إب.. تراث ومصدر حياة

    اب بوست-متابعات

    في صبيحة كل سبت، يخرج “عبدالله الغراب” من قريته بوداي الجنات بمحافظة إب، محملا بالجزر الهندي المهروس الذي أعده بعناية منذ ساعات الفجر الأولى، داخل تنوره الطيني، ثم ينطلق على متن سيارة والده ذات الدفع الرباعي متجها إلى سوق السبت في منطقة السحول، على بعد نحو سبعة كيلومترات.


    يفترش الغراب طاولته الصغيرة في إحدى زوايا السوق، فيما تسود لحظات هدوء تسبق حركة النهار. ما إن تبدأ الشمس بإرسال أشعتها الأولى، حتى يتبدد السكون، وينبض المكان بالحياة؛ تختلط نداءات الباعة، ويتحول السوق إلى لوحة مكتظة بالتفاصيل والقصص.


    يقول الغراب لـ”منصة ريف اليمن”، إنه يرتاد سوق السبت منذ سنوات طويلة، حاملا معه محصول الجزر الهندي المهروس مما تجود به مزارع الريف في منطقته، لافتا إلى أن هذا العمل ورثه عن والده، ويمثل مصدر رزقه الوحيد، ومن خلاله يعيل أسرته ويوفر احتياجاتها الأساسية رغم الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع تكاليف الزراعة.


    أهمية تاريخية واقتصادية


    يعد سوق السبت أحد أكبر الأسواق الشعبية في محافظة إب، وهو سوق أسبوعي يقع في منطقة السحول بمديرية المخادر، ويشتهر بتجارة المواشي والحبوب والمنتجات الزراعية المتنوعة، إلى جانب الحرف اليدوية والبضائع الشعبية التي تعكس ملامح الحياة الريفية الأصيلة.


    ولا يقتصر دور السوق على الجانب التجاري فحسب، بل يمثل ملتقى اجتماعيًا وثقافيًا يعكس روح الماضي، ويقاوم عواصف التغيير التي تهدد اندثار مثل هذه التجمعات التراثية. ويعود اسمه إلى انعقاده يوم السبت من كل أسبوع، ويُعرف محليًا أيضًا باسم «السويق» أو سوق السحول.


    ومع إشراقة الصباح، تبدأ القصة ذاتها في القرى المحيطة بالسوق؛ بائعون ينطلقون من مناطقهم النائية، يحملون ثمار أراضيهم وجهد أيامهم، تتلاقى طرقهم في مسار واحد نحو السوق الشعبي، بحثا عن مصدر رزق كريم. هي رحلة لا يلتفت إليها كثيرون، لكنها تشكل شريان حياة يغذي الأسواق بالخيرات، ويصل القرية بالمدينة في نسيج اجتماعي متماسك.


    في أروقة السوق، تتوزع البضائع على الأرض أو فوق طاولات خشبية بسيطة، فيما يتنقل المتسوقون بين الأكشاك، يساومون ويتبادلون الأحاديث. كل وجه يحمل حكاية، وكل حركة تروي جانبًا من تفاصيل الحياة اليومية في الريف اليمني.


    متنفس للمزارعين


    “علي طاهر (54 عامًا)”، أحد مزارعي ريف إب، يؤكد أن سوق السبت يشكل ركيزة أساسية لتأمين معيشة أسرته. ويقول لـ”منصة ريف اليمن” إنه يعتمد على بيع محاصيله الزراعية المحلية، وفي مقدمتها الذرة والمواشي، لتوفير احتياجات أسرته اليومية.


    ويضيف أنه يعمل في زراعة أرضه وتربية المواشي منذ سنوات طويلة، ويتوجه بشكل شبه دائم إلى السوق لبيع ما تنتجه أرضه، ليشتري من العائد البسيط القمح والسكر والزيت وغيرها من المستلزمات الأساسية. ورغم الظروف الصعبة التي يواجهها المزارعون، يؤكد طاهر أن الاعتماد على جهد الأرض ما يزال خيارهم الوحيد، معتبرًا سوق السبت “شريان حياة” حقيقيًا.


    ويشير إلى الإهمال الحكومي للمزارعين في الأرياف، وعدم تقديم الدعم الكافي للمنتجات المحلية، رغم دورهم المحوري في تعزيز الأمن الغذائي.


    مصدر للغذاء الآمن


    بالنسبة للمواطن “علي الجِبلي”، أحد سكان مدينة إب، لا يمثل سوق السبت مجرد مكان للتسوق، بل مصدرًا للغذاء الصحي. ويقول الجِبلي، الذي يعاني من أمراض مزمنة، إنه يفضّل شراء الحبوب المحلية مثل الذرة والقمح والدخن والسمسم والبقوليات، إضافة إلى الفواكه، نظرًا لجودتها وفوائدها الصحية.


    ويضيف أن هذه المحاصيل المزروعة في الأراضي المحلية أثبتت أنها الأنسب لحالته الصحية، مقارنة بالمنتجات المستوردة، لكونها طبيعية وخالية من المواد الحافظة. ورغم ارتفاع أسعار المنتجات المحلية نسبيًا، يأمل الجِبلي أن تحظى بدعم حكومي يشجع استهلاكها لما لها من فوائد صحية واقتصادية على المجتمع.


    حلقة وصل


    “عبدالله الوتاري”، أحد تجار الحبوب القادمين من مدينة يريم، يوضح أن سوق السبت يمثل حلقة وصل مباشرة بين المزارعين والتجار. ويقول إنه يرتاد السوق أسبوعيًا لشراء الذرة والدخن والقمح البلدي، وهي محاصيل أساسية في غذاء اليمنيين، وتدخل في صناعة العديد من الأكلات التقليدية.


    ويرى الوتاري أن ما يميز الأسواق الشعبية هو غياب الوسطاء، إذ يتم البيع مباشرة بين المزارع والتاجر؛ ما يسهم في دعم المنتج المحلي وتوفير السلع بأسعار أكثر توازنًا.


    ريف اليمن

    قد يعجبك ايضا!