اخبار هامة

    الشيخ عبدالعزيز الحبيشي.. حارس جغرافيا إب وعميد النكتة السياسية (بروفايل)

    الشيخ عبدالعزيز الحبيشي.. حارس جغرافيا إب وعميد النكتة السياسية (بروفايل)

    اب بوست-خاص

    "أبو اليتامي"، "أبو الشباب"، أبو "الرياضيين"، رجل النكتة، والقبيلة والسياسة، كل تلك الأوصاف هي باختصار كان يعرف بها الشيخ الراحل جسدًا، الحي في قلوب أبناء محافظة إب واليمن عمومًا، الشيخ "عبدالعزيز الحبيشي"، مستشار رئيس الجمهورية السابق، والذي وافته المنية ليلة الـ27 من رمضان من العام 2015م.

     

    حين تًذكَر إب، أول ما يخطر في بال القارئ أو السامع أو المشاهد الشيخ "الحبيشي"، صاحب القدر الرفيع، والمكانة العالية، أحد الكبار النادرين، الذي نأوا بأنفسهم عندما انحدرت السياسة في اليمن إلى الدرك الأسفل من الجحيم، وظل محتفظًا بهيبته ومكانته لدى أبناء اللواء الاخضر، كرمز جامع يستظل بمهابته وكرمه الجميع، يعطي بلا منّ، ويهب بلا حدود.

     

    وحين يذكر الشيخ الحبيشي، تذكر معه الطرفة والنكتة، التي ظلت سلاحه، وعرفت بها شخصيته على مدى ثمانية عقود من الزمن، هي طيلة حياته التي بدأها مع طلائع ثوار 26 سبتمبر، وكان آخرها مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الشباب والرياضة.

     

    خدمة المجتمع وتبنّي قضاياه

     

    في حارة "المنظر العلوي، بمدينة إب القديمة"، كان يقع منزل الشيخ عبدالعزيز الحبيشي، والذي ظل مكانا يقصده الزوار بمختلف فئاتهم وشرائحهم الاجتماعية، رؤساء ووزراء وقادات سياسية وحزبية وقبلية، حتى عرفت علاقته بالرؤساء كشخصية تاريخية عرفت بظرف علاقاتها مع الخلفاء والحكام كالأصمعي وأبي نواس ونظرائهم ممن كانوا ندماء الملوك والأمراء.

     

    عُرف الشيخ الحبيشي، بتسخير جل وقته لخدمة المجتمع وقضاياه، وعاش حياة حافلة بالعطاء والحضور والتأثير العام، مثّل خلالها روحًا جامعة لأبناء إب، وكان مرجعًا لهم في كثير من شئونهم، ناهيك عما كان يتمتع به من روح منفتحة، وصدر رحب، يسع الجميع في كل مراحل حياته.

     

    لقد ظل الشيخ الحبيشي بشهادة كل من عرفه، صانعا للبهجة في مجالسه، يتناقل الناس تعليقاته الساخرة، ودعاباته ونكاته اللاذعة، التي عادة ما تكون ذو صبغة سياسية واجتماعية ايضًا، كان كوكتيلا متنوعًا من الشهامة، والقيم، جمع بين القبيلة، والمدينة، وفعل الخير، حيث أنشأ دار الحبيشي للأيتام، اضافة إلى ترأسه جمعية الهلال الأحمر اليمني في إب.

     

    جمهوري من طراز فريد

     

    حين يذكر الشيخ الحبيشي، يذكر معه الجمهورية، إذ بدى وكأنهما صنوان لا ينفك أحدهما عن الأخر، حيث سعى مع غيره من المناضلين في تجذير قيم الثورة في إب، ورفضه للفكر الإمامي سابقا ورفضه لتحركات الحوثي، مع دخولهم المدينة وسيطرتهم عليها في أكتوبر 2014م.

     

    وفي هذا المقام من المهم التذكير بالنكتة التي يتداولها أبناء المحافظة أثناء دخول الحوثيين إلى إب. حين حضر أحد القيادات الحوثية إلى مجلسه الذي كان يكتظ كعادته بمختلف الفئات والشرائح الاجتماعية، وأثناء دخوله مجلس الشيخ كأحد اليمنيين قال: سلام يا رجال.. فرد الشيخ متهكمًا: "لو كنا رجال ما كنتم هنا" في تعبير واضح عن مدى رفضه للانقلاب الذي قادته مليشيا الحوثي، حيث ربط الرجولة بمدى مقاومة المشروع الحوثي.

     

    هذه السيرة الجمهورية التي حمل لواءها الشيخ عبدالعزيز الحبيشي، بقيت آثارها شاهدة حتى اليوم، فرغم رحيله قبل ثمان سنوات؛ إلا أن تلك السيرة لا يزال يقتفي أثرها الكثير من أحرار اليمن، خصوصا لما عرف عنه من دعمه للدولة وسيادتها منذ ثورة 26 سبتمبر، وكذا مواجهة ما كان يعرف بالمخربين، وحروب المناطق الوسطي في سبعينات القرن الماضي.

     

    تُشير المعلومات التي حصلنا عليها، أنه ظل على تواصل مع قيادات الحركة الإسلامية بإب، أثناء تلك الحروب، التي وقفت فيها الحركة لمساندة الدولة وتوجهاتها، والعمل على محاربة الإمامة، بحسب ما يرويه قادة الحركة الإسلامية في إب، حيث عمل جنبًا إلى جنب معهم في الحفاظ على النظام الجمهوري، ومساندة قيام الدولة الوليدة حينها.

     

    دار الحبيشي للأيتام

     

    على الطرف الشمالي لمدينة إب، أقام الشيخ عبدالعزيز الحبيشي دارًا للأيتام، في مبنى مكون من خمسة طوابق، دلالته المهمة تكمن في أنه بني على أنقاض سجن كان تابع للأئمة، كان يعرف بـ"الزاجر" في رسالة تحمل دلالة مهمة على محاولة ردم أنقاض الائمة، ومحو آثارها، وتحويل ظلماتها الى أماكن تضيئ للأيتام وتنير دروبهم، وإشارة مهمة على جمهوريته الفذة، ومحاربته للإمامة وفكرها.

     

    الدار كان يضم 1500 طالب، ويحتوي على سكن داخلي مع الأكل والشرب، ومعامل للتأهيل الحرفي، وقسم الملابس، وميز للطعام، حيث حرص الشيخ على تقديم خدمة التعليم كامتياز وحيد يقدم لهذه الشريحة الاجتماعية الوفيرة، وقد ظل الشيخ مسؤولا عن الدار حتى العام 2011، قبل أن يفسح المجال لغيره ممن يحمل على عاتقه مهمة رعاية وتأهيل الايتام.

     

    على إثر تسمية الزاجر، يروى عن الشيخ الحبيشي نكتة حين طلب من الشيخ رأيه حول إجراءات في حكومة أحد الرؤساء السابقين لما كان يسمى بحملة التصحيح، وحين وصلت اللجنة إلى اب طلب من الشيخ رأيه حولها، فرفض الادلاء برأيه حولها حتى يعطى مسبحة الأمان لما يقول، وحين أعطي ما أراد، قال الحبيشي: سيدي الرئيس حملة التصحيح هذه، بالقائمين عليها، تشبه خطبة الزاجر، وحين سُأل عن هذه الخطبة، فقال الشيخ: هي خطبة جمعة يعقدها سجناء سجن الزاجر، الخطيب فيها قاتل، والمؤذن لص، وإمام الصلاة شاذ، والمصلون بين قتلة ولصوص...، وقد قيل إن الشيخ دخل سجن حجة، ثمنًا لذلك الرأي، والذي لا يزال يتداوله أبناء اب حتى اليوم.

     

    وطني بامتياز

     

    إضافة إلى جمهوريته فقد كان الشيخ عبدالعزيز الحبيشي رحمه الله، مناضلا وطنيا كبيرا، حيث أطلق شعار "الأرض مقابل السلام" في إشارة لما اعتاد عليه المسؤولين من نهب لأراضي الدولة، خاصة أولئك المسؤولين القادمين من المناطق العليا، حيث كانوا دائما ينظرون لإب باعتبارها غنيمة ومصدر ثراء.

     

    لقد مثل هذا الشعار الذي أطلقه الشيخ الحبيشي، حالة من الرفض الذي كان يبديه تجاه الممارسات التي كان يقوم بها العديد من المسؤولين تجاه محافظة إب، الذين كانوا يبسطوا على أراضيها، ويحولوا إيراداتها إلى غنيمة، ومصدرًا للثراء الشخصي.

     

    بالمقابل، كانت إب تعاني النسيان، وتواجه الحرمان، من المشاريع المختلفة، رغم ما كانت تمثل للكثير من المسؤولين من مصادر ثراء غير معهودة، فضلا عن كون هذا الأمر كان يتجاوز حد الغنيمة والثراء، باعتبار أن ما كانوا يقومون به كان يرجع سببه إلى الانتقاص من أبناء اب، باعتبارهم مسالمين وليسوا مقاتلين حسب زعمهم، وهو الأمر الذي دفع الكثير من المسؤولين سابقا ولاحقا للتمادي في نهب خيرات إب من أراض وعقارات.

     

    ورغم ذلك، مثّل الشيخ الحبيشي حالة من الوطنية الفذة، من محاولته الذود عن جغرافيا إب أرضا وانسانا، حيث ظل يخدم أبناء المحافظة، في الوقوف ضد كل مشاريع النهب والسلب التي طالت الكثير من أراضي المواطنين، ووقف ضد أولئك العابثين بأراضي الدولة بقدر جهده واستطاعته.

     

    منزله صالون أدبي

     

    مثّل الشيخ الحبيشي طوال حياته، مرجعية للقيم والتسامح والوطنية، وظل منزله عامرًا بالزوار الذين يتوافدون إليه من مختلف القوى السياسية والمجتمعية والحزبية، ومختلف الفئات الاجتماعية الصحفيين والرياضيين والأكاديميين والأطباء والسياسيين والرياضيين، وشيوخ القبائل، والوجاهات الاجتماعية، ومثّل منتدى يناقش فيه الجميع القضايا السياسية والوطنية.

     

    رغم ما عرف بصفته بـ"الشيخ" إلا أنه لم يكن له من مسمى الشيخ الا الصفة فقط، ففي الوقت الذي تُعرف فيه دواوين المشايخ بقعقعة الجنابي، وبنادق العدال، وتغطي صفاء جدران منازلهم أنواعًا مختلفة من الأسلحة، ويأتي اليها الزوار مصحوبين برتل من المرافقين محمّلين بشتى أنواع الأسلحة والرصاص، فقد كان منزله على الضد من ذلك كله، كان صالونا أدبيًا رفيعًا، لا أثر لبندقية تراها معلقة على الجدران، ولو حتى من النوع الذي تتزين به بعض الأماكن كالبنادق المتحفية العتيقة.

     

    الاهتمام بالتعليم والرياضة

     

    يلخص أديب إب، أحمد طارش خرصان نائب رئيس اتحاد الأدباء والكتاب بالمحافظة، حياة الشيخ الحبيشي بالقول، "خاض الشيخ معركته مع الحياة من خلال المجتمع، حيث اندفع بكل ما يملكه من قدرات إلى خوض عملية تغيير حقيقية من خلال دفع المجتمع لأن يكون شريكه في صناعة واقع".

     

    وأضاف، "كان الشيخ الراحل عبدالعزيز الحبيشي رحمه الله لا يدخر جهداً في سبيل تحقيق هدفه المنشود والذي تمثل في العلم ودعم العملية التعليمية والتشجيع على الالتحاق بالتعليم والتحصيل العلمي، منطلقاً من حقيقة أن الجهل هو داء الشعوب ومرضها العضال. 

     

    وأكد خرصان، أن "ما يؤيد هذا الطرح مواقف الشيخ تجاه الكثير من المبدعين الذين تفوقوا في دراستهم، وما كان من الشيخ من فعل كان المعزز لأولئك، ليكونوا اليوم في طليعة المجتمع كل في مجال تخصصه ومهنته".

     

    كما كان الشيخ الحبيشي شغوفا حد الجنون بالرياضة، وقد كان شعباوي الهوى والهوية، عرف عنه محبته الكبيرة لناديه المفضل شعب اب، إضافة بقية الأندية كاتحاد إب، وتعاون بعدان، ناهيك عن تكريم اللاعبين ودعمهم ماديًا ومعنويًا، ورعايته لاحتفال اعتزالهم، والتي كانت تنظم بين كل وقت وأخر للاعبين الذين أعلنوا اعتزالهم ملاعب كرة القدم. 

     

    دعابات ذات مغزى سياسي

     

    بحسب شهادة من عرفه، فإن الشيخ الحبيشي كان لا يتحدث كثيرًا، بل لم يكن يتحدث إلا لمامًا، وإذا فعل فلكي يثير جدلا، أو ليعلق تعليقًا وجيًزا على شأن ما، استفزّه، أو ليداعب أحدهم؛ بل لا يقف موقف خصومه من أي مكان، فردًا أو تيارًا، وكان يحرص على أن يضع نفسه موضع صديق الجميع، دون أن يجعله ذلك يبدو سلبيًا في مواقفه وآرائه.

     

    في إحدى النكات السياسية المتداولة في أوساط أبناء المحافظة، إنه صدر توجيه بإعادة أملاك أسرة آل حميد الدين، فتقدم الشيخ بعريضة يطالب فيها باستعادة مساحات عقارية، صادرتها الدولة منه دون تعويض، وفي ذيل العريضة كتب العبارة التالية: «أخوكم الشيخ عبدالعزيز حبيش الدين»، وإلى أن يستعيدها يظل الحبيشي يطلق على هذه المساحات المصادرة، تسمية «شرم الشيخ» وهي تسمية سرت على ألسنة الكثيرين في محافظة إب، في تهكم واضح للدلالة، ويثير براميل الضحك!!.

     

    ويروي أبناء المحافظة عن الشيخ الحبيشي رحمه الله، أنه ذات مرة طرح بعضهم على أحد الرؤساء مقترحًا لإنشاء سور ببوابة لمقبرة مدينة إب، وحين بدت التكلفة كبيرة، ضرب الشيخ على صدره ورقبته في حضرة الرئيس، وقال الشيخ متعهدا له: سيدي الرئيس.. ما الحاجة لسور لمقبرة بهذه الكلفة؟ خذ ضمانتي بألا أسمح لأي من موتى المقبرة بالفرار، وإذا حدث أن فر أحدهم فاقطع عنقي.

     

    كما يروى عن الشيخ، أنه زاره وفد من الأكاديميين بجامعة إب، للمقيل في مجلسه، وفي منتصف الجلسة سأل أحد الأكاديميين الشيخ قائلا: متى تصلح اليمن يا شيخ عبدالعزيز؟، فرد الشيخ قائلا: عندما يذهب مجموعة من المشايخ للمقيل عند دكتور في الجامعة. 

     

    لقد مثّلت تلك الدعابات مغزى سياسيًا كبيرًا، عرف بها الشيخ الحبيشي رحمه الله طوال حياته، ولقد كان لها وقع ملموس في أوساط الناس بمحافظة إب، حيث كان يتداولها أبناء المحافظة بنوع من الاحتفاء والتقدير، باعتبارها كانت صوتًا بليغًا لهواجسهم واحتياجاتهم واحتجاجهم لدى مؤسسات الدولة الرسمية.

    قد يعجبك ايضا!