اخبار هامة

    محمد علي الربادي.. أيقونة إب وخطيبها الثائر

    محمد علي الربادي.. أيقونة إب وخطيبها الثائر

    اب بوست-خاص

    محمد علي حسن الربادي، وُلد في مدينة إب القديمة في شهر شعبان من سنة 1354هـ/ 29 أكتوبر 1935م، رجل عصامي بنى مجده بصبر ودأب ومثابرة.

     

    منذ طفولته ناضل على جبهتين: جبهة العمل، وجبهة التعليم، حيث احترف مهنة إصلاح الأدوات المنزلية والمدايع وبيع الحنطة، بالتزامن من ذلك كان يقضي ما تبقى من اليوم في التعلم والتعليم والقراءة والمطالعة. لازم المسجد في مدينة إب حتى أصبح أحد رموز الحركة الوطنية في خمسينيات القرن الماضي.

     

    تعرض للاعتقال مع رفيق دربه الشيخ المناضل عبد العزيز الحبيشي قبيل فجر ثورة سبتمبر 62 أثناء مظاهرات مساندة لمصر ونقلا على اثرها إلى صنعاء.

     

    ثائر قومي

     

    محمد علي الربادي من الجيل الثاني للحركة التحريرية والإصلاحية في اليمن؛ فقد نشأ في مدينة معارضة وإلى جانب شباب معارض منتمي إلى تيارات سياسية مثل حركة القوميين العرب، والناصريين، والبعث، والتيارين: الماركسي، والإسلامي.

     

    في قلب المدينة المعارضة للإمامة- منذ البدء- نشأ المناضل الوطني الكبير، وصار لاحقا أحد الآباء الروحيين للحركة السياسية والديمقراطية الحديثة، احتفظ الربادي باستقلاليته، وكان دوماً في طليعة الاتجاهات المعارضة للفساد والاستبداد في كل العهود، سواء قبل الثورة أو بعدها.

     

    حافظ الربادي طوال حياته على الالتزام بالقيم والتقاليد الدينية، وعلى الزهد والطهر الثوري. ابتعد عن الانحرافات والصراعات في صف الثورة من المال والهيلمان، وكان الكلمة الشجاعة والموقف الثابت والصائب. لم ينافس على منصب أو غنيمة. ساهم بالكلمة الصادقة، والموقف الشجاع في وجود تيار فكري وأدبي وسياسي معارض للانحرافات التي شهدتها ثورة سبتمبر، وكان في طليعة الرافضين لاستيلاء المشايخ والعسكر على السلطة بعد 5 نوفمبر 67، كما دان في كل خطبه ويومياته في الثورة الممارسات الخاطئة في السلطة، وأساليب الظلم والفساد والقهر.

     

    كان قومياً بامتياز في مساندة الثورة العربية بقيادة مصر عبد الناصر، وإلى جانب تحرر شعب فلسطين، كانت الكلمة سلاحه الدائم والأثير؛ فهو قاسم أعظم ومشترك بين مختلف فرقاء الحياة السياسية، لا يعادي ولا يصطف، مجرد من الضغائن والأهواء المعلولة.

     

    الموظف النزيه والسياسي الصادق

     

    عمل بالتدريس لفترة من الزمن، ثم عمل إداريًّا في دار المعارف، وبعد قيام الثورة عام 1962م، عيّن نائبًا لوزير التربية والتعليم، ثم عمل في المجال الإعلامي فتقلد عدة مناصب من بينها مديرًا لمكتب الإعلام في مدينة تعز، ووكيلًا لوزارة الإعلام، ثم رئيسًا لمصلحة الإذاعة، ثم وكيلًا لوزارة الإعلام للمرة الثانية، ثم رئيسًا للجنة النشر والتأليف في وزارة الثقافة، عُرف خلالها بالموظف النزيه حيث استغل مكانته في تعزيز دوره النضالي من أجل الحرية والتقدم وتحقيق الوحدة.

     

    قبيل الوحدة كان وكيلا للمجالس المحلية، وشارك في كثير من الفعاليات الشعبية بكلمات سياسية شجاعة لا زالت كلماته تدوي في آذان المستمعين حتى اللحظة، وبعد قيام الوحدة اليمنية انتخب رئيسًا لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، ثم رشح نفسه بصفة مستقلة في الانتخابات النيابية عن إحدى دوائر مدينة إب ففاز، واختير رئيسًا للجنة المستقلين في مجلس النواب، لكن سرعان ما تُوفي إثر ذبحة صدرية بعد شهرين من وصوله للبرلمان، وفي فترته القصيرة في المجلس كان من أصدح الأعضاء بقول الحق والدفاع عن المواطن والمنافح عن قضاياه وخصم لدود وعنيد للسلطة.

     

    خطيب شجاع

     

    كان الربادي يتمتع بقدرة متميزة على الخطابة، أكسبته شهرة واسعة لدى الجماهير، فقد كان يجمع بين الخطاب الديني والسياسي، سواء عبر الخطابة الأسبوعية من على منبر الجامع الكبير بمدينة إب، أو خطبه السياسية في كل منشط أو فعالية سياسية أو اجتماعية أو أدبية.

     

    ويؤكد من كانوا يستمعون لخطب الجمعة التي يلقيها الربادي بأن خطبه كانت تتسم بالتنوير والطرح الفكري والرؤى المتقدمة، وكانت تعبيرا صادقا عن هموم المواطن ومشاكل المجتمع.

     

    ولم تقتصر ملكته الخطابية على الخطاب الديني فحسب، وإنما برز بشكل كبير في الخطاب السياسي الذي اتخذه كخط نضال، يعبر من خلاله عن معاناة المواطنين ويترجم تطلعاتهم، بحجة المنطق وصدق الحقيقة، يقول الدكتور عبدالعزيز المقالح متحدثًا عن براعة الربادي في الخطابة، وقدرته في استخدام الكلمة: "لقد استمعت إليه في أكثر من موقف، ورأيته خطيبًا في مقام ديني، وخطيبًا في مجال السياسة، ومتحدثًا في المجال الأدبي، فكانت الكلمات تنثال في لسانه مرتبة دقيقة صادقة سهلة لا تصنع فيها ولا مبالغة. كان هدفه دائمًا الإقناع لا التباهي أو المجاملة".

     

    كان الربادي عالم دين حقيقي. زاهد مبدئي، ومستقل. متسامح، ومستنير. منفتح على كل الاتجاهات، وهو خصم لدود وعنيد للحاكم الفاسد، وللطغاة والمستبدين. عاش مناضلاً شريفاً، و مات- يرحمه الله- و لا يزال حياً في قلوب و عقول ووجدان الملايين.
     

    قد يعجبك ايضا!