اخبار هامة

    من أبناء إب.. أسعد الوعيل من القفص الذهبي إلى قفص الجحيم الحوثي

    من أبناء إب.. أسعد الوعيل من القفص الذهبي إلى قفص الجحيم الحوثي

    اب بوست-متابعات

    كانت مديرية النادرة، تضج بالاستعدادات، فلم يبق على موعد عرسه، سوى بضعة أيام، وقوافل الأهل والأقارب تتوافد لحضور الزفاف، والأغاني والأهازيج تملأ القرية الواقعة بالريف الشرقي لمحافظة إب، وأم أسعد تترقب وصول فلذة كبدها من صنعاء، لكنه لم يصل وتحول العرس إلى رحلة معاناة استمر ثمان سنوات.

     

    أسعد عبده الوعيل (29 عاما)، طالب جامعي ينحدر من محافظة إب، كان محور هذا الحدث، فقد اقترب يومه المنتظر، وبات يعد الساعات لتحقيق أحلامه، ويسارع في شراء ما تبقى من متطلبات وحاجيات العرس، بما فيها الملابس وبعض الأثاث، وبالغ فيه جداً، في شراء الهدايا لإخوته وأخواته وأمه وأبيه، وكان يختار هداياه بعناية.

     

    ساعات قليلة وكان أسعد، قد استكمل عمليات الشراء وبدأ الاستعداد للسفر إلى قريته، يقول لـ"الصحوة نت": "أخذت الأثاث وملابس الزفاف والهدايا، واتجهت إلى القرية برفقة أخي وزوجته، وأختي، وجدتي، وعمتي، وكنت أثناء السفر أتواصل بمن تبقّى من الأهل والأصدقاء لدعوتهم لحضور العرس".

     

    في القرية، كانت أُمّ أسعد، منهمكة في التحضيرات للعرس واليوم الذي كانت تتوق شوقاً له. وداخلها شعور بالقلق، وتخشى تحقق مقولة "إحساس الأم لا يخيب"، فكانت تحس بالخطر المحدق وتحاول تطمين حالها بالاتصالات المتكررة.

     

    يقول أسعد: كانت أمي تتصل بي كل نصف ساعة لتطمئن علي وتسألني أين أنت؟ أين وصلت؟ وكأنها تخشى حدوث شيئاً خطيرا".

     

    وأضاف: وصلت سيارتنا إلى يريم، وتم إيقافنا بإحدى النقاط الحوثية، وأنزلوا النساء إلى قارعة الطريق، ودون أي سبب اختطفوني وأخذوا السيارة والأثاث، وسط ذهول الجميع".

     

    حينها، لم يكن أسعد، يفكر في عرسه ولا في نفسه، يقول: "كنت أفكّر بأمي كيف تكون صدمتها وفجيعتها عند سماع خبر اختطافي، كنت أدعوا الله ألا يُصيب أمي أي مكروه، وأن تتحمل وتصبر".

     

    زفاف لم يكتمل

     

    حولّت مليشيا الحوثي الإرهابية المناسبة السعيدة وحلم السنين الذي يتطلع أسعد لتحقيقه، إلى كابوس، رحلة عذاب ومعاناة استمرّت 8 سنوات.

     

    يروي أسعد، لـ"الصحوة نت" عن لحظات الاعتقال والتحقيق والتعذيب، قائلا "أخذوني في البداية إلى سجن الشيخ بدير، وحققوا معي لمدة ساعة، ثم أخذوني إلى الأمن السياسي بمحافظة إب، وكان يوم جمعة، وقاموا بالتحقيق معي واتهامي بتهم كيدية، وحاولوا إلصاق تلك التهم بي".

     

    يضيف المختطف المحرر من سجون المليشيا: "طيلة فترة التحقيق تعرضت للتعذيب، وقاموا بوضع مدكى فوق ظهري وتقييد يدي إلى الخلف من فوق المدكى، وجعلوني منبطح على الأرض، وجلست على هذا الحال إلى الفجر".

     

    تعذيب وحشي

     

    ضرب وزبط بالهراوات وضرب بالكيبل، وصعق بالكهرباء، هذا ما كان يتعرض له أسعد، يقول لـ"الصحوة نت"، إن الحوثيين كانوا يتعمّدون صعقه "فوق القلب مباشرة وخلف الرأس، وركزوا في ضربهم على الرقبة والعمود الفقري والضرب على المؤخرة، والتلفظ بالكلام البذيء". إضافة إلى تعليقه باستمرار لمدة شهر، وأغمي عليه خلال التحقيق 6 مرات.

     

    ويتابع أسعد "أول يوم في التحقيق سألوني هل كان اليوم عرسك، قلت: نعم، قال المحقق: والله بنعمل لك أفضل زفة وعرس، ونخليك ترجع لها وأنت ما عادك رجال، وقاموا بتعذيبي وإهانتي طوال الليل".

     

    وأوضح بعد ذلك "وضعوني في السجن الانفرادي لأربع سنوات، وحرموني من الملابس ومن الاستحمام والحلاقة، وأخذوا ملابسي، ومنعوا عليّ المصاريف". كانوا يعاملوني كحيوان، بلا رحمة أو شفقة. كانوا يتعمّدون إبقائي بلا حلاقة كي يطول شعر رأسي ولحيتي لكي يظهر في التصوير أني في شكل إرهابي، منعوني من الشمس لمدة 8 أشهر، وخلال هذه الفترة منعوا عني الزيارات ولم يعرف اهلي  عني  شيء، ولم أعرف عنهم شيئاً سوى بعد أربع سنوات سمحوا لي بالاتصال بهم.

     

    يصف اسعد السجن الانفرادي بـأنه "حبس فوق الحبس"، وفيما يسمّى بسجن الأمن السياسي، يقول إنه تعرض "للتعذيب الشديد والجوع والأمراض على يد أبو هاشم، مدير الأمن السياسي والمخابرات من 2016م، وما زال مستمرا إلى اليوم، ويُعد الرجل الأول لمليشيا الحوثي في محافظة إب، ويقال إن خاله عبد الملك الحوثي، وحتى إن الجلادين يخافون منه".

     

    ويصف المدعو "ابو هاشم" بأنه "متوحش يمارس التعذيب بوحشية ويعتبر التعذيب تقرب إلى الله. ويضيف أسعد، أن "أبو هاشم" هدده ثلاث مرات بالتصفية.

     

    جراء التعذيب، أصيب أسعد، بانزلاق في العمود الفقري والرقبة، والتهابات في الصدر، وجفاف في العيون فقد كان من المستحيل أن يحصل على حبة دواء"، يقول "كنا نسمع أن المنظمات تأتي وتسلمهم أدوية للسجناء، لكننا لم نحصل عليها إلا وقد شافوا حالتك مستعصية وعلى وشك الموت، يسمحوا لك تشتري علاج".

     

    يقول أسعد  في إحدى المرات " كنت مريضا جدا بسبب التعذيب، وطلبت اسعافي، دخل واحد اسمه علي العمري، وشخص آخر معه، وقام بضربي داخل الزنزانة، بسبب مطالبتي بالعلاج أو حتى مسكن للألم، يومها كانت رقبتي تؤلمني بسبب التعذيب".


    التعذيب بالتجويع


    عن معاناة الجوع، يقول: كانت وجبة الافطار حبتين روتي، والغداء رغيفين شامي والعشاء كذلك حبتين روتي فقط، ولو تتوسل له وتطلب رغيف آخر يرفض. وممنوع الحمام، ثلاث مرات فقط في اليوم، وفي أوقات محدده، لو كان عندك مغص أو بطنك تؤلمك مستحيل يفتح الحمام يقول لك اعملها في كيس ودبر حالك لكن يفتح لك الحمام هذا من المستحيل".

     

    غرفة السجن كانت في حد ذاتها تعذيب، يضيف أسعد، "كانت مليئة بالقمل والكتن ولمدة ثلاث سنوات ونحن فيها، وبعد 4 سنوات نقلوني إلى السجن الجماعي، ولا يقل عن جحيم السجن الانفرادي. كنا ننام فوق البلاط على جنب، ويحسب لكل واحد بلاطه ونص، وكنا ننام كأعواد الكبريت في الغرفة مساحتها 4* 5 وفيها 40 سجينا".

     

    أضرب أسعد عن الطعام لمدة 100 يوم حتى تدهورت صحته، ورغم ذلك لم يتفاعلوا مع مطالبه، بل قال له السجان: "لا أنت أول واحد يموت في السجن ننقلك للثلاجة وانتهى خبرك".

     

    شاهد على الإجرام

     

    شهد أسعد الكثير من قصص التعذيب والحرمان والمعاناة والمواقف الصعبة، ومنها حالات الانتحار لسجناء ومنهم: "مقداد القحيف، وعمر الغابري، ومصطفى الهمداني وشخص آخر اسمه نصر الخولاني، قام بإحراق نفسه لكن تم إنقاذه، وتضرر فمه كثيراً وتم تخييطه عدة مرات".

     

    ومن ضمن المختطفين يشير أسعد إلى شخص يدعى "عز الدين عباد، من إب، مديرية ذي سفال، اختطفه الحوثيون بعد عرسه بشهر، وتعرض لتعذيب والإخفاء القسري لمدّة 6 سنوات ولا يزال إلى اليوم، فيصل الخزاعي أيضاً مختطف منذُ 5 سنوات، بدون تهمة".

     

    بعد خروجه من السجن لم تنتهي معاناة أسعد، يقول: "حتى اليوم والمعاناة مستمرة في مخيلتي، لا يمكن أن أنسى ما تعرضت له من تعذيب خلال هذه السنوات التي أخذت 8 سنوات من عمري، مليئة بالقهر والتعذيب". مضيفاً: هؤلاء جماعة مارقة وتتعامل كعصابة إجرامية وليس تعامل دولة كما تزعم، فمعاناة المختطفين صعبة جداً، وكل يوم والمختطف يموت ألف مرة".

     

    ويؤكد أسعد أنه طوال السنوات الثمان "لم تعرض قضيتي على نيابة أو محكمة لأنهم لم يجدوا دليل أو إثبات على التهم التي لفّقوها لي بدون دليل".

     

    وأسرته أيضا لم تسلم من المعاناة، حيث تعرضت الأسرة للابتزاز، وباعت كل ممتلكاتها من أجل إخراج ولدها من السجن ورغم ذلك لم تنجح الجهود المتواصلة التي استفاد من عوائدها قيادات الحوثيين.

     

    وضمن صفقة التبادل الأخيرة التي توسّطت فيها الأمم المتحدة، عانق أسعد الحرية، من جديد، وها هو يروي للعالم تفاصيل الجرائم المروّعة التي تعرّض لها وشهد عليها في سجون المليشيا الحوثية".

     

    وحالياً يستعد أسعد لإقامة زفافه الذي حالت المليشيا الحوثية دون إتمامه لمدّة 8 سنوات. وكان لشريكة حياته نصيب في رحلة المعاناة ومواجهة الضغوط إضافة إلى الصبر والانتظار الطويل. يقول أسعد عن ذلك: "طيلة مدة اختطافي تعرضت زوجتي للضغوط  لتطلب الطلاق، لكنها رفضت وتحملت، والآن نبحث عن منزل تمهيداً لإقامة الزفاف".

     

    وفي ختام حديثه لـ"الصحوة نت"، يأمل أسعد أن يتم ملاحقة المجرمين، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، وانصاف الضحايا، والعمل على تحرير باقي المختطفين، مؤكدا أن ما ارتكب بحقهم "جرائم حرب جسيمة لا تسقط بالتقادم".

    الصحوة نت

    قد يعجبك ايضا!