اب بوست-خاص
قبل أيام زف التربوي الخمسيني "سمير أبلان" عريساً في حفل بهيج تفاعل معه كل فئات المجتمع بمدينة إب وخاصة طلابه الدين تربوا على يديه طوال ٣٠ عاماً، هذا الفرح والحلم الذي تأجل لعقود لم يكن ليحدث لو لم يطلق مجموعة من الناشطين على مواقع التواصل بمدينة إب مبادرة لجمع التبرعات لأبلان وهي المبادرة التي تفاعل معها الكثيرون على المستوى المالي والعيني لتثمر زواج أبلان وآخر إلى جواره يعاني من فاقة مالية.
المبادرة لأجل أبلان جاءت ارتدادا لحملة تفاعل إلكترونية معه عقب نشره على صفحته بالفيسبوك منشورا شكا فيه من سلطات مليشيا الحوثي التي أوقفت نصف الراتب الذي تصرفه على فترات متباعدة بسبب ما قالت نقص في ملفه الوظيفي وهي الذريعة التي أوقفت بها المليشيا مرتبات آلاف الموظفين.
مبادرات
لم تكن مبادرة أبلان هي الوحيدة، فقد سبقتها مبادرات ولحقتها أخرى وتلتقي جميعها عند قاسم مشترك وهو أن المستهدفين ضحايا للحوثي وانتهاكاته وسياساته التجويعية.
ففي حين تخلت المليشيا عن علاج "بائع الزلابيا" الذي أحرقه عنصر حوثي في العدين، انبرى مجموعة من الناشطين وقاموا بإسعافه وتوفير مايلزم من علاج ومصاريف مالية، والأمر ذاته وجدانه عند عامل المطعم الذي تعرض لاعتداء من قبل نافذ حوثي، حيث تفاعل ناشطو إب مع العامل بصورة غير مسبوقة، وتعهد الكثير عبر الناشطين بتقديم أموال ومعونات للعامل حتى حدا ببعضهم الإعلان عن عزمه شراء فيزة عمل له وتسفيره إلى السعودية في أي مهنة يريد.
حادثة موت "ياسر البكار" على أحد أرصفة المدينة جوعاً، كانت واحدة من أكثر الحوادث صدى على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث حمّل الناشطون المليشيا مسؤولية موت مواطن جوعاً في حين تنهب المليشيا من إيراداتها المليارات وتصادر مثلها باسم الزكاة.
ناشطو إب لم يتوقفوا عند التنديد بالحادثة والتعاطف مع أسرة الفقيد كما فعل الكثير، بل قام عدداً منهم بتشكيل فريق وجمع تبرعات لأسرته أسفرت عن جمع أموال كبيرة وأرضية وبدء بناء بيت لأبنائه في مبادرة لاقت استحسان الكثيرين.
مواجهة التجريف الحوثي
الإعلامي "عادل النزيلي" يرى أن ما يقوم به ناشطو إب، سلوك خاص في مواجهة التجريف الحوثي، معتبراً أن كل هذا الحماس هو تعبير عن كبت من قمع الحوثي لكل نشاط سياسي وتسليط قوته الغاشمة على رقاب الناشطين.
ويضيف في منشور على منصة إكس: "الفترة الأخيرة عبر شباب إب عن حضور ونشاط كبير مرة في تضامن لبناء منزل وأخرى في عرس لشباب المدنية أو في إثارة تضامن حول قضايا قتل في وجه السلطة يراد حرف مسارها عن العدالة".
وأوضح أن "هذه التعابير وإن لم تكن مقصودة أو يراد منها فعل سياسي لكنها نابعة من جذور جمهورية".
وختم بالقول: "إب الجمهورية لها سلوكها الخاص في مقاومة التجريف الحوثي كلما سد لهم نافذة انهمروا كالسيل يزيحوا هراء الحوثي عن حياتهم ويصنعوا خطابهم الخاص وهمهم الخاص وتوجههم الخاص الذي لم ولن يلتقي مع عبدالملك الحوثي، وهكذا تقول التجربة".
فعل مقاوم
من جانبه يرى الصحفي سلمان المقرمي ان ما يقوم به الناشطون والراصدون للانتهاكات في محافظة إب والتفاعل مع الانتهاكات الحوثية وتحويلها إلى مناسبات للتضامن وتعرية المليشيا، هو فعل مقاوم ويقترب من أشكال التنظيم.
وشبّه المقرمي ما يقوم به أبناء إب بأنه يشبه إلى حدٍ كبير ما يقوم به النشطاء في الضفة الغربية في فلسطين المحتلة، قائلاً: "ما المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية ؟.. يجيب: "نقل الجرائم الإسرائيلية أولا بأول، والتصدي لها وفق الإمكان والمتاح.هذا ما يحدث تماما في محافظة إب، وقل نظيره في المحافظات الأخرى، على الأقل حتى الآن".
ويضيف المقرمي متحدثاً لـ" إب بوست": "المقاومة بشكل عام هي أفعال منظمة، سواء عسكرية أو أمنية أو إعلامية وثقافية واجتماعية، وهذا الجانب الاجتماعي نوع من الفعل المقاوم المنظم، ولكن في حالته الأولية والبدائية".
ويرى أن هذه المبادرات تقول ضمنياً أن لا تعويل مطلقا على الحوثي أو وعوده، وأن إطلاق مبادرة لعلاج "صاحب الزلابيا" أو دعم مدرس أوقف راتبه، أو عامل مطعم تعرض للضرب من قيادي حوثي، تعني تشجيع لكل مقاوم.. تقول له: قاوم ولن نخذلك ولن نخشى أن نتورط معك، وهذا برأيي أبرز مظاهر المقاومة الشعبية الشاملة بالمتاح.
وتابع المقرمي: "أي عمل منظم في مناطق سيطرة الحوثيين هو فعل مقاومة بذاته. لأن مليشيا الحوثي بطبيعتها لا تسمح لأي كان غيرها بالبقاء، ولا تسمح لأي عمل فردي أو جماعي لا يخدمها بالوجود، لأنها شمولية، وتراه خطرا عليها، وهو كذلك، وأن تنشأ مبادرات منظمة مهما كانت طبيعتها فهو فعل منظم مقاوم، وهذا الأمر تتصدره محافظة إب. وكل جماعات المقاومة أصلا في التاريخ تبدأ هكذا".
وختم بالقول: "كما أن العمل الجماعي والمنظم يعني انتزاع حق العمل السياسي، العمل السياسي هو العمل العام، والحوثية ضد السياسة والعمل السياسي، والمبادرات الشعبية هي جوهر العمل السياسي وتجسيد لمعنى المواطنة".
تحرك في المتاح
وعلى نحو مغاير لما ذهب إليه المقرمي والنزيلي، يقول الناشط "محمد البعداني"، إن الناشطين في إب يهربون من حالة القمع التي تقوم بها المليشيا إلى الأنشطة المجتمعية والتطوعية، ورغماً عن ذلك تظل أنشطتهم وتفاعلاتهم مراقبة.
وأضاف أن التظاهرات التضامنية على مواقع التواصل والحملات الإنسانية هو المتاح حالياً للناشطين في ظل سياسة الكبت والقمع التي تنهجها المليشيا والتي ترفض توجيه أي نقد لها أو قيادتها، كما تمنع تناول مظاهر الفوضى الأمنية.
وأوضح البعداني أن المليشيا لا تأبه كثيراً بهذه التحركات، طالما وهي في منأى عنها، غير أنه وفي نهاية المطاف ستجد نفسها في مواجهة مثل هذه الأنشطة لأنها في المقام الأول هي فعل في النقيض تماماً من الحوثي.
وأشار إلى أن الناشطين يعرفون تماماً ما هو متاح لهم وفي هذا الإطار يتحركون ولا أعتقد أن مايتم فعل منظم، إلاّ أن نتائجه ملموسة.