ماجد عبده الشعيبي-خاص
لم يعد الحوثي مجرّد حركة مسلّحة، بل تحوّل إلى مشروع لإنتاج الأحقاد وتفريخ الصراعات في البنية الاجتماعية اليمنية.
ومن أبرز أدواته: الاختطافات الممنهجة التي يمارسها في المدن الخاضعة لسيطرته، وفي مقدمتها مدينة إب، التي باتت مختبرًا مفتوحًا لسياسة الإذلال وتصفية الحسابات.
لكن هذه الممارسات، وإن بدت في ظاهرها وسيلة للهيمنة، فإنها في جوهرها قنابل موقوتة تزرع ثارات اجتماعية عميقة، قد لا تتوقف آثارها عند حاضر اليمن، بل تمتد إلى أجيال قادمة.
الأحقاد كأداة للهيمنة
الحركات السياسية عادةً ما تبني شرعيتها على الأمل أو على تقديم مشروع اقتصادي واجتماعي.أما الحوثي، فقد جعل من الكراهية والمظلومية وقودًا لمشروعه.
خطابه الديني والسياسي يركز على ثنائية "نحن مقابل هم".
القمع المباشر (الاعتقالات، الاختطافات، الإخفاء القسري) يُستخدم كوسيلة لإنتاج الخوف وإدامة الولاء.
الهدف ليس السيطرة الآنية فقط، بل إعادة تشكيل الذاكرة الجمعية عبر صناعة عدو دائم يبرر استمرار الجماعة في الحكم.
إب: نموذج متفجر
إب، بوصفها قلب اليمن الأوسط وملتقى قبائل ومناطق مختلفة، تمثل ساحة استراتيجية للحوثي. لكنها لا تُدار كمركز للتوافق، بل كميدان لفرض الهيمنة بالقوة.
شهدت إب مئات حالات الاختطاف منذ 2015، طالت ناشطين، طلابًا جامعيين، تجارًا، وشخصيات اجتماعية.
تُستخدم هذه الممارسات لإذلال الخصوم، ومصادرة الأموال، وإسكات أي صوت معارض.
النتيجة: كل حادثة اختطاف تولّد ثأرًا مفتوحًا مع عائلة أو قبيلة، يترسخ في الذاكرة ويُورّث للأبناء.
الثأر القبلي: دين لا يسقط بالتقادم
المجتمع اليمني ذو طبيعة قبلية، حيث الكرامة والشرف قيم عُليا لا تُساوَم.
أي اعتداء على فرد يُنظر إليه كاعتداء على الجماعة بكاملها.
القبيلة تحفظ حقها في الثأر جيلاً بعد جيل، ولا تسقطه بالتقادم.
حين يختطف الحوثي شابًا من إب، فإنه لا يواجه أسرة واحدة، بل شبكة كاملة من العصبيات القبلية التي تنتظر اللحظة المناسبة لاسترداد كرامتها.
صناعة قنبلة اجتماعية موقوتة
الحوثي يظن أن القمع يوفر له استقرارًا، لكنه في الحقيقة يصنع بنية تحتية للانتقام.
الأحقاد الناتجة عن الانتهاكات ليست مؤقتة، بل تتحول إلى إرث اجتماعي يتراكم.
كل جيل يتسلم من سابقه ذاكرة ثأر جديدة، مما يجعل المستقبل أكثر هشاشة واضطرابًا.
بهذا المعنى، الحوثي لا يبني دولة، بل يزرع ألغامًا في جسد المجتمع ستنفجر عاجلًا أم آجلًا.
أفق الحل: تفكيك الأحقاد بمشروع جامع
لن ينجو اليمن من هذه الدوامة إلا إذا فُتح أفق وطني يتجاوز منطق الثأر ويعيد الاعتبار إلى العدالة والإنصاف.
الحل لا يكمن في الانتقام المضاد، بل في بناء عقد اجتماعي جديد يضمن الحقوق ويعيد الثقة بين المكونات.
الدولة القادمة مطالبة بإطلاق برنامج وطني للمصالحة والعدالة الانتقالية، يعالج إرث الانتهاكات ويوفر ضمانات بعدم تكرارها.
عندها فقط يمكن تفكيك الألغام التي زرعها الحوثي، وتحويل طاقة الأحقاد إلى قوة لبناء السلام.
خاتمة
الحوثي اليوم لا يحكم اليمن بقدر ما يُفخّخه بالأحقاد. الاختطافات في إب ليست مجرد حدث أمني عابر، بل سياسة ممنهجة لإذلال الناس وصناعة أعداء دائمين. غير أن هذا النهج، وإن مكّنه مؤقتًا، فإنه يترك وراءه إرثًا مدمرًا سيظل يهدد اليمن لعقود. فالأوطان لا تُبنى على الخوف والكراهية، بل على الثقة والأمل. وكل سلطة لا تدرك هذه الحقيقة محكوم عليها بالزوال، تاركةً خلفها رمادًا من الثارات التي لن ينجو منها أحد.