اخبار هامة

    إب المكلومة.. حين تُختطف النخبة وتُسجن الكرامة

    إب المكلومة.. حين تُختطف النخبة وتُسجن الكرامة

    عبده سالم-خاص

    في محافظة إب، يرزح أكثر من مائةٍ وعشرين مختطفًا خلف قضبان سجون مليشيا الحوثي الإرهابية، لم يُؤخذوا بجرمٍ ارتكبوه، ولا بذنبٍ اقترفوه، بل جُرِّدوا من حريتهم لأنهم خيرة أبنائها: دكاترة جامعات، أطباء يضمدون الجراح، مهندسون يشيدون العمران، مثقفون ينيرون العقول، قادة إداريون واجتماعيون يحملون هموم الناس، وطلاب جامعات يمثلون حاضر المحافظة ومستقبلها، أملها وآمالها.


    أنا لا أتحدث عن أرقام جامدة، ولا عن أسماء مجهولة، إنهم وجوه أعرفها جيدًا، ومن لم أعرفه بشخصه أعرف أسرته وعائلته. بعضهم عرفتهم منذ نعومة أظفارهم، خلال ربع قرنٍ من عمري قضيته بينهم: معلّمًا في مدارسهم، وقائدًا تربويًا في مؤسساتهم، ورفيقًا لهم ولآبائهم وأسرهم، إنهم جزء من حياتي وذاكرتي وتاريخي، والآن أراهم يُساقون إلى السجون لا لشيء، إلا لأنهم نخبة المجتمع، ضمير إب الحيّ، ورمز كرامتها وطليعتها الباقية.


    لماذا إب؟


    إب ليست من مناطق العصبية الحوثية، ولهذا لا يثق الطغاة بولائها. يرون أن إخضاعها لا يتحقق إلا عبر إذلالها وكسر إرادتها، ومن هنا جاء استهداف نخبتها، وفقًا لعقيدة الحوثي العنصرية التي تقسم الناس إلى "سادة" يحكمون و"عبيد" يخدمون، يريدون لإب أن تكون محافظة خادمة لا حرة، تابعة لا مستقلة، مقهورة لا قائدة، منصاعة لا مبدعة.


    قهر المجتمع باغتيال نخبه


    حين يُغيَّب هؤلاء الأحرار في الزنازين، لا تخسر إب أفرادًا وحسب، بل تخسر روحها ووعيها. فالنخبة هي بوصلة المجتمع، وهي التي تشعل جذوة الكرامة والحرية في القلوب، الحوثي يدرك هذه الحقيقة، ولذلك يسعى لتغييبهم، حتى يترك الناس بلا رموز ولا قدوة، تائهين في صمت القهر، يفتقرون من يذكّرهم بكرامتهم وحقهم في الحياة.


    نداء من القلب


    هؤلاء المختطفون ليسوا أبناء أسرهم وحدها، إنهم أبناء إب كلها، بل أبناء اليمن بأسره، غيابهم جرح غائر في قلب المحافظة، وسجنهم وصمة عار على جبين الإنسانية، إن دموع أمهاتهم، وأنين آبائهم، ولوعة أطفالهم، تنادينا جميعًا: أن لا نصمت، وأن لا نخذلهم، وأن نحرّك وجدان المجتمع من أجلهم.


    إن على المنظمات الحقوقية والإنسانية أن ترفع أصواتها، وأن توثّق هذه الجرائم، وأن تقول للعالم إن خلف الجدران المظلمة في إب رجالًا أحرارًا، وشبابا بعمر الربيع، يحملون الوطن في قلوبهم، ويستحقون أن يكونوا في صدارة المجتمع لا في غياهب السجون.


    إب اليوم تنزف بغياب خيرة أبنائها، ويُراد لها أن تظل منكسرة الروح، مطفأة الأمل، لكن دموع الأمهات، وقلق الآباء، ووفاء الأصدقاء، وحرقة كل قلب حر، لن تسمح أن يطول ليل الظلم،  سيبقى هؤلاء المختطفون رموز إب الحقيقية، وعنوان عزتها الأصيل، ورايتها الخفاقة المشرقة، حتى يشرق فجر الحرية، ويعودوا إلى صدور أسرهم ، وأحضان أهليهم،  وإلى حضن وطنهم الكبير، أحرارًا أعزّاء كما كانوا دائمًا.
     

    قد يعجبك ايضا!