اب بوست-متابعات
في ظل تصاعد حملات القمع الحوثية، أصبح الاحتفاء بذكرى ثورة 26 سبتمبر في مناطق سيطرة الميليشيا محفوفًا بالمخاطر، حيث تتعرض أصوات المعارضة والناشطين والكتاب للاعتقال والملاحقة.
ومع تضييق الخناق على الحريات والانتهاكات الممنهجة في تلك المناطق، بما فيها محافظة إب، تحولت مدينة تعز إلى ملاذ آمن للمحتفلين بالثورة وللنازحين الباحثين عن حرية التعبير والأمان.
يرصد هذا التقرير، الذي أعدّه صهيب المياحي لـ"المصدر أونلاين"، معاناة الأكاديميين والتربويين والصحفيين والناشطين الذين اضطروا للهروب، ويكشف كيف أصبحت تعز الوجهة الأخيرة لكل من يسعى للاحتفاظ بصوته وكرامته بعيداً عن بطش الميليشيا، التي توسع حملاتها كل عام، مستغلة المناسبات والفعاليات والقضايا، بما فيها القضية الفلسطينية، لاختطاف المزيد من المدنيين.
مطاردة منذ زمن
"اختطفوا أولادي وحرموني من وداع أمي".. بهذه الكلمات يلخص الصحفي أحمد اليفرسي معاناته المستمرة منذ سنوات مع ميليشيا الحوثي، في شهادة تكشف حجم القمع الذي يعيشه الصحفيون اليمنيون واستهداف الجماعة الممنهج للأقلام الحرة والمعارضين.
وقال اليفرسي لـ"المصدر أونلاين" إنه أصبح مطارداً منذ عقد وأكثر بسبب نشاطه الإعلامي ومعارضته لاستخدام الحوثيين الدين لتبرير أفكارهم السلالية وخطابهم التكفيري ضد المجتمع.
وأضاف أن الجماعة أصدرت تعليمات بالقبض عليه فور وصولهh إلى محافظة إب عام 2015، الأمر الذي أجبره على الفرار إلى تعز، إلا أن الحوثيين اختطفوا أولاده وطالبوه بتسليم نفسه مقابل الإفراج عنهم، لكنه رفض الاستجابة لتلك الضغوط.
وأوضح اليفرسي: "اضطررت إلى الهجرة خارج اليمن، وخلال عشر سنوات أعيش محروماً من العودة والعيش بسلام بسبب موقفي وممارسة حقي في التعبير عن رأيي".
وأضاف بأسى: "حتى والدتي، التي عاشت طريحة الفراش لمدة سنتين، توفيت رحمها الله دون أن أتمكن من زيارتها أو وداعها".
الاحتفال جريمة
في السنوات الأخيرة، أصبح الاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر في مناطق الحوثيين جريمة لا تُغتفر، إذ تعتقل الميليشيا كل من يرفع العلم أو يعبر عن الاحتفال، حتى عبر منشور على مواقع التواصل الاجتماعي أو حالة على واتس آب.
وتزايدت حملات القمع والاعتقالات في محافظة إب هذا العام، مستهدفة الأكاديميين وأساتذة الجامعات والمعلمين، وكان ذلك امتداد لحملات ممنهجة وسعتها الميليشيا منذ مايو الماضي.
خزان الخوف
وسط أجواء القمع، اضطر العديد من أبناء محافظة إب لمغادرتها خلال أيام ذكرى الثورة السبتمبرية، متجهين نحو تعز، المدينة المحررة الأكثر احتفالاً بالمناسبات الوطنية، لتصبح الملاذ الأخير لمن يرغب في التعبير عن رأيه بحرية ورفع العلم، مع تجنب العودة في الغالب إلى المناطق الخاضعة للميليشيا خشية دفع ثمن ذلك.
وفي أحاديث متكررة، يشير العديد ممن فروا من بطش الميليشيا في أحاديث لـ"المصدر أونلاين" إلى أن محافظة إب، التي كانت تُعرف باسم "عاصمة اليمن السياحية"، لم تعد صالحة للعيش، وأصبحت مخزوناً لخوفٍ بلا حدود في ظل سطوة الميليشيا التي تتقن ارتكاب الانتهاكات بحق سكان المحافظة المسالمين، لاسيما مع أيام وأسابيع المناسبات.
ويؤكد هؤلاء أن المدينة فقدت خلال الأشهر الماضية نحو 150 شخصاً اختطفتهم الميليشيا، جلهم من النخبة والعاملين في القطاعات الحكومية والخاصة، بينهم مشايخ دين ودكاترة جامعات وأطباء ومحامون وإداريون، بالإضافة إلى أبرز فئات المجتمع التربوية في مختلف المديريات.
وحسب أحاديثهم، "يُختطف الإنسان هناك لأنه شخص جيد ويُفيد مجتمعه كلاً في مجاله"، أما الاحتفال بأي مناسبة وطنية فيُعتبر جريمة قد تُخفي الشخص خلف الشمس دون أي معلومات عنه، خاصة إذا كان تربوياً أو من أصحاب الدور البارز في المجتمع المحلي.
تعز ملاذ
في السياق، تحدث الدكتور طه، أكاديمي وأستاذ في جامعة وطنية، عن رحلته من إب إلى تعز لـ"المصدر أونلاين": "غادرت إب متجهاً إلى تعز فقط لأحتفل بسبتمبر، وأبتعد عن المضايقات التي تطالنا نحن الناشطين وأساتذة الجامعات والإعلاميين"، مضيفاً أن مغادرته لا تمنحه الأمان الكامل، لكنه اضطر لذلك خوفاً على أسرته من الاعتقالات المستمرة، وأنه سيعود إليهم بعد انتهاء الاحتفالات.
ويتابع بصوت يثقله القلق على أسرته: "حتى في حديثي عن سبب المغادرة لست قادراً على التعبير، لأن أسرتي وأبنائي ما زالوا هناك. سأعود إليهم بعد سبتمبر، لكنني قررت السفر إلى السعودية هرباً من حملات الاعتقالات التي لم تعد تستثني أحداً في إب".
ولم يكن الدكتور طه وحده من وجد نفسه أمام خيار الهروب، حيث يشير أستاذ من ذي السفال، رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، إلى أن أسباب الهروب تشمل: الخوف من الاعتقال لاسيما وقد طال الاجرام الحوثي الحياة المدنية برمتها، والحفاظ على العقيدة والهوية بعد استهداف الجامعات، بالإضافة الى الشعور بأن الإنسان أصبح مستهدفاً بسبب انتمائه أو هويته وانتمائه، إذ يكفي أن تكون منتمياً لحزب أو جماعة معينة لتفقد حريتك الشخصية"، لافتاً في حديث لـ"المصدر أونلاين" إلى أن "المخاوف الأمنية تتضمن احتمال مداهمة المنزل ليلاً أو اقتيادك من مقر عملك كالنعجة".
وفي ظل سيطرة ميليشيا الحوثي، يعيش اليمنيون بين خوف دائم من الاختطاف والإخفاء القسري وبين الإهمال في المناطق المحررة.
دكتور في جامعة إب ومؤلف أوضح أن المليشيا لا تراعي القوانين والأعراف والأخلاق، ويقومون بخطف الشخصيات وتركهم لسنوات دون محاكمة، مع تعرضهم للتعذيب النفسي والجسدي وإجبارهم على اعترافات مزيفة غالباً ومصورة، مشيراً إلى أن هناك من خرج من سجون الميليشيا ولقي حتفه او اصيب بعاهات مستدامة، مضيفاً أن "الخوف من الاختطاف والإخفاء القسري في معتقلات المخابرات الحوثية كان دافعه الرئيسي للهرب".
وأكد على أنه "من أشد المخاوف هو تغيبك في المعتقلات لسنوات مصحوبة بالتعذيب النفسي والبدني وتركك دون أي رعاية. كذلك اتهامك بالتخابر مع العدوان، وأخطرها إعداد فيديو يوثق اعترافات تحت التعذيب مثل ما حدث لموظفي المنظمات."
واقع مزري
ورغم أن تعز آمنة نسبياً من الحوثيين، إلا أن الفارين يواجهون تحديات كبيرة بسبب الإهمال الحكومي والمحلي: "وضع الفارين بين مطرقة الحوثي وسندان الإهمال، وكأنهم مجرمون أو مقطوعون من الشجرة"، بحسب الأكاديمي.
وأضاف: "تعز آمنة من سطوة الحوثيين لكنها ليست ملاذاً حقيقياً بما تعنيه الكلمة؛ الملاذ الآمن يتطلب السكن والمأوى ومتطلبات الحياة الأساسية، لكن وضعنا مزري، وحال أسرنا أسوأ"، منوهاً إلى فقدان من فروا من منطاق الميليشيا لمصدر رزقهم وأصبحوا بلا مأوى، يتنقلون من مكان لآخر بحثاً عن مقومات تسد احتياجاتهم الضرورية.
يقول رئيس منظمة رصد للحقوق والحريات، عرفات حمران، في تصريح لـ"المصدر أونلاين"، إن عدد النازحين من محافظة إب إلى تعز بلغ مؤخراً 182 شخصاً، لافتاً إلى أن كثيراً من المدنيين اضطروا أيضاً للنزوح إلى محافظات أخرى أو مغادرة البلاد إلى مصر والسعودية، هرباً من الاعتقالات التعسفية وحالات الإخفاء القسري.
ويظل الوضع في محافظة إب وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي محفوفاً بالمخاطر، حيث يواجه المدنيون انتهاكات متواصلة تدفع المزيد منهم للبحث عن ملاذ آمن في محافظات أخرى، فيما تبقى تعز الوجهة الأبرز لأبناء المحافظة المجاورة، وسط غياب أي حلول حقيقية توقف هذه المعاناة.
*صهيب المياحي ـ المصدر أونلاين