اب بوست-خاص
لا يمكن تفسير إدمان الاختطاف لدى الحوثي إلا باعتباره غريزة متجذّرة في جينات السلالة التي ينتمي إليها، ومحفورة في مسودة النظرية السياسية للإمامة التي يمثلها، كوسيلة قمعٍ بدافع الإذلال، وأداةٍ لتنقيح الرؤى في وعي الخصوم، وغرس فكرة الإمامة بالقوة داخل السجون.
وهذا ما يبرهن على أن الجماعة تتّخذ من الاختطاف لغة تواصل رسمية لإرضاء ذاتها المنبوذة ومداواة عقدة الكراهية التي تحملها تجاه المجتمع كسلطةٍ وفكر.
وبما أن سلطتها مرتكزة على الفكر الإمامي المقترن بالاختطاف الجماعي للخصوم كمعادلٍ موضوعي له، وتشيد السجون كوطنٍ بديلٍ للمجتمع المناوئ، فإنها بذلك تتغلّب على هواجس الخوف من ردّات الفعل، خصوصًا في لحظات التأزّم وكثرة الضغوط عليها، لا سيما أن اللجوء إليه يتحول – أحيانًا – إلى أداة ابتزاز ومقايضة تنقذها في مواقف حرجة.
لا يمكن إحصاء عدد المختطفين في السجون الحوثية منذ 2014 وحتى 2025؛ فذلك الجحيم بلا سقف ولا نهاية، وله صور وملامح وأبعاد ودوافع متعددة، وعجلته لا تتوقف.
ومنذ مطلع العام الجاري تغيّرت دوافع الاختطاف وخرجت عن نطاقها المألوف، فتحولت إلى سلاح تأديبٍ جماعي يطال العامة والخاصة، الأبرياء والمتعبين، العُزّل والهامشيين، حتى أولئك المنفصلين عن صراع الواقع.
وعلى هذا النسق المستجد، يمارس الحوثي غريزته بكل فجاجةٍ ووحشية، ويتعامل مع المجتمع الواقع تحت قبضته كقطيعٍ بشري، يقتاد منه من يشاء إلى الزوايا المظلمة لإشباع رغباته في التسلية باعتقالهم وتعذيبهم، دون أي ضوابط تحكم هذه اللعبة العنيفة التي تكشف وجهه الخفي وزيف خطابه الديني والسياسي.
ففي الأشهر القليلة الماضية، جُرِف المئات من الناس إلى السجون في إب وذمار وحجة والبيضاء وصنعاء، عبر حملاتٍ أمنيةٍ صليبيةٍ غزت القرى والمديريات، تباغت الضحايا بمداهمة المنازل أو اختطافهم من الشوارع والمؤسسات الحكومية، من الحقول والمتاجر، حتى صار التخفي الدائم أمرًا مستحيلًا.
ولإدراك بشاعة الصورة، يجب تذكّر الاختطاف الرسمية والنخبوية التي طالت قيادات حزب المؤتمر – شركاء الأمس – والعاملين في برنامج الأغذية العالمي رغم المليارات التي تجنيها الجماعة من نشاطه، فضلًا عن الحقوقيين والصحفيين والسياسيين والتجّار والمشايخ.
كل هؤلاء الذين كانت تربطهم مصالح مشتركة لم يسلموا من هذا الوباء، فكيف سيكون حال المنتمين إلى الأحزاب السياسية، حتى وإن أظهروا ولاءهم، وقد غدوا اليوم فريسةً سهلةً للاعتقال بلا رحمة؟
لم يعد هناك حدٌّ يمكن للمجتمع تجنبه للنجاة من غريزة القمع الشبقة التي تهندس مجتمعًا أعمى بلا ألسنٍ ولا إرادات، فاقد الإحساس بما حوله.
ولتهيئة هذا المجتمع بتلك الصورة، لابد من بتر كل صوتٍ مخالف لشروط هندسة القطيع، كما حدث مع صاحب القفشات الساخرة أوراس الإرياني، الذي سُجن لمجرد نكتة مقتضبة كتبها على حائطه في ذكرى نكبة 21 سبتمبر.
لا يتسع المجال لذكر نماذج سخافة تفكير هذه العصابة القمعية، لكن الحقيقة أنها لا تغض الطرف عن جدٍّ أو هزل، تمارس الاختطاف لمجرد الشك، أو التوجس، أو الوشاية، أو الريبة، ومهما تنوعت التهم فإن جوهرها واحد: كل من يرفض الإقرار بعبودية السلالة والتضحية من أجلها.
ولذا، فمن الجهل القاتل إنكار إمامية وكهنوتية العصابة الحوثية، أو تجاهل فقدان المجتمع لحريته تمامًا، والتظاهر بأن ما يحدث مجرد قمعٍ سياسي.
إنها عبودية مكتملة الخصائص، والتهرب من قول الحقيقة خيانة للذات والهوية والتاريخ، لأن الصمت عنها يجعل المجتمع يستسيغ الجحيم كأنه مجرد انتكاسةٍ عابرة، بينما هو غرقٌ دائم في ليلٍ بلا فجر.
يمن شباب نت








