اب بوست-متابعات
ما يزال كابوس انهيارات التربة (الإنزلاقات الأرضية) يحاصر سكان قرية "الخشابي" الواقعة في قمة جبلية بعزلة "المنار" بمديرية "بعدان" في محافظة إب (وسط اليمن)، بعد مرور عام كامل على آخر الحوادث الكبيرة التي هزت المنطقة، وتسببت بأضرار جسيمة بالممتلكات.
وسبق للقرية، التي يزيد ارتفاعها عن سطح البحر 3650م، أن شهدت انزلاقات متتالية للتربة، لكنها لم تكن بتلك الخطورة التي عاشها سكان القرية في 2023، حيث أحدث انزلاق التربة أضرارا بالغة في عشرات المنازل، وأجبر القاطنين فيها على العيش في العراء والنزوح.
أم محمد واحدة من نساء قرية الخشابي، تحولت حياتها إلى جحيم برفقة أطفالها الثلاثة الذين عاشوا معها معاناة بدأت تفاصيلها في مايو 2023، وذلك عند تعرض منزلهم المتواضع إلى أضرار جسيمة نتيجة الانهيارات في التربة.
وقالت أم محمد لمنصة "ريف اليمن"، إنها نزحت لأيام بعد الحادثة إلى أحد المنازل المجاورة التي كان حجم التأثير فيها بسيطا، لكنها عادت إلى تجميع ما تبقى من حطام وأثاث منزلها وحاولت إصلاح ما أمكن من أجل العودة للسكن.
رغم عودة الأم الأربعينية وأطفالها إلى السكن في منزلهم المهدد دائماً، وأضطرت لاستعمال قطع قماشية ومخلفات بناء لتغطية نوافذ الغرفة التي استقروا فيها مؤخراً، بسبب الوضع المعيشي.
بمرارة تصف أم محمد الفاجعة التي تعرضت لها مع صغارها ليلة الحادثة، وقالت: “أحسسنا بتحرك التربة عند هطول الأمطار، وبدأنا نرى تشققات على جدران المنزل، ثم سمعنا أصوات الجميع في القرية يستغيثون للنجاة”.
وتابعت: "خرجنا من المنزل، وما إن ابتعدنا عنه أمتارا، بدأت أجزاء منه بالانهيار، حينها بدأت أجهش بالبكاء بعد أن شعرت أن كل شي انتهى في المنزل".
تحتاج عائلة أم محمد وعشرات الأسر المتضررة إلى مساعدات عاجلة وسريعة من السلطات المحلية والمنظمات الإنسانية لتأمين مسكن مؤقت وتوفير الاحتياجات الأساسية، حتى يتسنى لهم الاستقرار.
وقالت: "نحن نعيش في خوف دائم من المستقبل، ونأمل أن يتدخل المسؤولون لتقديم الدعم والمساعدة؛ لنتمكن من استعادة وضع الحياة الطبيعية".
كارثة قرية الخشابي
بدأت كارثة قرية الخشابي التي يزيد ارتفاعها عن سطح البحر بحوالي 3650م، بظهور تشققات بسيطة منذ ست سنوات في الجبال وانهيارات في موسم الأمطار، لكنها تحولت إلى حالة قلق ورعب مستدام، بحسب ما تحدث مواطنون لمنصة ريف اليمن.
في عام 2020 توسعت الشقوق في الأراضي الزراعية ومحيط القرية، وطالب مواطنون مراراً الجهات المعنية بالتدخل لتجنب وقوع كارثة، خصوصاً مع توسع هذه الشقوق، لكن دون جدوى.
وفي مطلع شهر مايو 2023 فوجئ سكان قرية “الخشابي”، بانزلاقات أرضية كبيرة أدت إلى تضرر نحو 20 منزلاً منها 4 منازل تدمرت بشكل كلي، بالإضافة إلى انهيار جميع المدرجات الزراعية، بحسب مصادر منصة ريف اليمن.
وكانت وكالة “سبأ” الرسمية في صنعاء أفادت “أن تلك الانهيارات تسببت في تشقق 30 منزلا، منها 20 منزلا آيلة للسقوط، وفي تدمير المدرجات الزراعية، وأن الشقوق الأرضية بعمق 300 متر”.
دراسة ميدانية عقب الكارثة
كشفت دراسة علمية استعرضت حالة “قرية الخشابي” عن تسجيل 120 حالة انزلاق صخري و37 حالة انزلاق طيني، مما يعرض المنطقة لخطر تآكل الأراضي وتدمير الممتلكات.
وتشير الانزلاقات الأرضية إلى مجموعة من الحركات الأرضية مثل السقوط الصخري والانهيار والسريان الطيني، وهي تحدث بسبب عوامل مثل الأمطار الغزيرة أو شق الطرق، وتُعدّ الانهيارات الأرضية من الكوارث البيئية التي تحدث على المنحدرات عندما تتوافر العوامل المسببة، وقد تحدث فجأة أو على مراحل.
ووفق دراسة لقسم الجغرافيا في جامعة إب اطلعت عليها منصة ريف اليمن، تعرّضت الحافة الشمالية لجبل الخشابي لانزلاقات نتيجة عدة عوامل طبيعية وبشرية، منها التكوين الجيولوجي، ميل الطبقات، التربة، الغطاء النباتي، والنشاط البشري.
وأفادت دراسة أجريت في مايو/ آيار 2023 أن الأمطار الغزيرة تسببت في زيادة وزن الأرض، مما أدى إلى انزلاق كتلة من الجبل بطول 95-120 مترا وعرض 25 مترا، مسببة أضراراً على منازل القرية.
وأشارت الدراسة إلى “تعرض المنطقة لانزلاقات وانهيارات أرضية متكررة نتيجة للعوامل الجيولوجية والتضاريسية المعقدة، بالإضافة إلى التأثيرات الناتجة عن الأمطار الغزيرة، ولوحظ حركة مستمرة وتوسع في الصدوع والفوالق، مما يزيد من خطر الانزلاقات المستقبلية”.
وسُلّمت الدراسة إلى الجهات المعنية في السلطة المحلية بمحافظة إب، وقُدمت توصيات بضرورة اتخاذ إجراءات وقائية عاجلة لحماية السكان والممتلكات، مثل إزالة الصخور، واتخاذ تدابير مناسبة لحماية المناطق السكنية من الكوارث الطبيعية المحتملة.
تكاتف مجتمعي
رغم المأساة التي حلت بسكان القرية والظروف المعيشية بسبب الحرب، حاولت الأسر مواساة المتضررين قدر ما أمكن، ومدت يد العون لإغاثة وإيواء الأكثر ضعفاً.
وشهدت القرى المجاورة حراكا كثيفاً، لجمع التبرعات وتقديم المعونات التي شملت مبالغ مالية ومواد غذائية، كما أسهم أبناء المنطقة المغتربون بتقديم المساعدات، في حين شارك آخرون في محاولة إعادة إصلاح مجاري للسيول، وإعادة إعمار ما أمكن من المنازل.
كما أسهمت حينها مبادرات مجتمعية من خارج القرية في تقديم سلال غذائية، مع وعود بجبر الضرر، لكن بعد مرور شهر فقط من الحادثة، تراجع الاهتمام بسكان القرية، وتوقف تقديم المعونات وباتوا يعيشون معاناة مستدامة.
مخاوف مستمرة
يوجد حوالي 150 منزلاً في القرية التي يقطنها أكثر من 1,000 نسمة، ويعيش هؤلاء مخاوف متواصلة من عودة هذه الانهيارات المتكررة، لا سيما في موسم الأمطار وتدفق السيول، ويحذر من المخاطر الخبراء الذين زاروا المنطقة مرات عدة.
ويزيد من خطورة ذلك أن أغلب منازل القرية مبنية على تربة رخوة وأنها متقارب بعضها من بعض على سفح جبل شديد الانحدار، وتحيط بها مياه العيون الجارية، الأمر الذي جعلها عرضة للمخاطر المتزايدة بانزلاقات تربتها، وأضحى سكانها في حالة ترقب وخوف دائم.
صالح أحد سكان القرية يقول لريف اليمن، إنهم يعيشون في قلق وخوف دائم، وكلما هطلت الأمطار، يتوقعون حدوث انهيارات أرضية قد تلتهم منازلهم وتدمر حياتهم، ولهذا يبقون متيقظين دائماً.
وقال: “أن عدم قدرتهم على النزوح وترك مزارعهم ومنازلهم وممتلكاتهم التي يعتمدون عليها للعيش، خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد”.
ويضيف: “بشكل متواصل أصبحنا نخشى على أولادنا من الذهاب الى المدرسة، واللعب في أزقة القرية، ورعي المواشي في محيطها، بسبب توجسنا من حدوث انزلاقات مفاجئة”، ويؤكد أنه فضّل أن لا يغترب هذا العام في حضرموت تخوفاً من تعرض أسرته لأي مكروه في ظل غيابه.
وفق مختصين زاروا القرية، فإن وقوع القرية تحت تهديد الانهيارات الأرضية نتيجة طبيعية للعوامل الجيولوجية، بالإضافة إلى التأثيرات البشرية والتغيرات المناخية التي تعزز من احتمالية وقوع الكوارث.
إهمال وتقصير
رغم أن قرية الخشابي تبعد عن مركز محافظة إب بنحو 35 كيلومترا، تعاني من نقص في التدخلات الحكومية والبرامج الإنمائية.
وقالت مصادر محلية لمنصة ريف اليمن، عقب حادثة الانهيارات، إن عدة جهات رسمية زارت قرية الخشابي، وأجريت دراسة ميدانية وسلمت للسلطة المحلية، وقدمت الوعود للمواطنين، لكن بعد مرور عام على الحادثة لم يتغير شيء.
مناشدات
وجدد مواطنون من أبناء القرية عبر منصة ريف اليمن دعوتهم للجهات المعنية التي زارت المنطقة أكثر من مرة للإيفاء بوعودهم والتدخل لوقف هذه المخاطر المحدقة بهم، كما طالبوا المنظمات برعاية مبادرات مجتمعية للتخفيف من التهديدات.
ويحتاج السكان إلى توعية بطرق الحفاظ على التربة وتقنيات البناء الآمنة، وزرع الأشجار التي تساعد في تثبيت التربة ومنع تآكلها، وإصلاح مجاري السيول، وبناء سدود صغيرة، وبناء جدران، وغيرها من الحلول التي تساعد على استقرار التربة، وتقلل مِن هلع السكان.
ومثل قرية الخشابي تعيش مئات القرى في أرياف اليمن مخاوف مماثلة من خطر الانهيارات الصخرية والانزلاقات الأرضية، في المحافظات الجبلية، وتكون أكثر خطورة في موسم الأمطار.
المصدر: منصة ريف اليمن