اب بوست-متابعات
لم يتمكن خالد محمد (20 سنةً) من الالتحاق بالجامعة على الرغم من حصوله على نسبة مرتفعة في امتحان الشهادة الثانوية، بسبب ظروفه المعيشية القاسية، على غرار مئات الآلاف من الطلاب اليمنيين الذين أجبرتهم الحرب، وقف تعليمهم في المناطق الريفية في اليمن.
خلال السنوات الماضية، أجبرت الظروف المعيشية القاسية المئات من الطلاب اليمنيين، خصوصاً في المناطق الريفية النائية، إلى الابتعاد عن التعليم، إذ يعيش الأهالي والسكان ظروف معيشية قاسية، انعكست سلباً على مختلف مجالات حياتهم، وتسببت بحرمان أبنائهم من مواصلة تعليمهم المدرسي والجامعي، بالتزامن مع انهيار وتدهور التعليم في اليمن.
ومنذ اندلاع الحرب في اليمن تراجعت العملية التعليمية، ووصلت إلى أدنى مستوى لها في تاريخ اليمن، خاصةً عقب توقف صرف الرواتب الحكومية أواخر عام 2016 ووفقاً لمؤشر دافوس الخاص بترتيب الدول العربية في جودة التعليم بها لعام 2021، كان اليمن خارج التصنيف نتيجة تدهور العملية التعليمية خلال سنوات الحرب، وبحسب الصليب الأحمر فإن 3 ملايين طفل غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة، بينهم 1.8 مليون بحاجة إلى مساعدة تعليمية عاجلة.
"ظروف قاسية"
ينحدر خالد من منطقة السياني جنوب محافظة إب (وسط اليمن)، وتخرج من الثانوية العامة في عام 2021 بمعدل 85، لكنه حتى اللحظة يعمل بأحد المحلات التجارية، على أمل توفير الأموال واستكمال دراسته الجامعية في بلدا تعصف به الحرب، منذ أكثر من ثماني سنوات.
يعيش خالد ومعه الكثير من الطلاب في ريف محافظة إب، أوضاعا قاسية ضاعفت حدتها ارتفاع رسوم التعليم الحكومي وارتفاع أجور المواصلات، وارتفاع أسعار الخدمات الدراسية، في بلد صُنف ضمن أسوأ أماكن العيش في العالم، إذ تقول الأمم المتحدة بأن اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث تشير أحدث التقديرات إلى أن نحو 50 ألف شخص يعيشون حاليًّا في ظروف تشبه المجاعة، إذ يشتد الجوع في المناطق المتضررة من الصراع، ويحتاج ما يقرب من 21 مليون شخص، أي أكثر من 66% من إجمالي عدد السكان، إلى مساعدات إنسانية وحماية.
يقول خالد لـ "منصة ريف اليمن"، "إن والده يعمل بالأجر اليومي بمهنة البناء، وهو بالكاد يتمكن من تأمين متطلبات الحياة اليومية الأساسية لأفراد عائلتهم، لافتاً إلى أنه في غالبية الأيام يعود إلى منزلهم دون الحصول على العمل ظروفنا قاسية نعيش أتعس أيام حياتنا".
يطمح خالد إلى الدراسة في قسم الهندسة المدني، ويشعر بالحسرة والقهر من عدم مقدرته على الالتحاق بها، لكنه حسب قوله سوف يكافح ويبحث عن العمل بهدف تحقيق حلم حياته، معتبراً أن "ساعات السهر والتعب التي كان يقضيها في الدراسة والمذاكرة أيام دراسته الثانوية لن تذهب سدي".
وفي حين لم يتمكن خالد من تحقيق حلمه في الدراسة الجامعية، ما يزال وهيب عصام ( 19 سنةً) يكافح في مواصلة تعليمة الدراسي، حيث يدرس في الصف الثالث الثانوي في مدرسة حكومية، تبعد مسافات طويلة عن قريته التي يعيش فيها مع أسرته في منطقة جبلة في محافظة إب وسط اليمن.
يحكي "وهيب" قصته، لـ "منصة ريف اليمن": "أذهب في الصباح الباكر مشياً على الأقدام إلى المدرسة ظروفنا قاسية لا يستطيع والدي تحمل نفقات التعليم معظم الأحيان أتعرض للطرد من المدرسة، بسبب عدم دفع المبلغ الشهري الذي تفرضه علينا المدرسة"
ويضيف "اضطر للعمل لتوفير الرسوم والمستلزمات المدرسية، أبي يعمل موظفاً حكومياً في وراتبه منقطع منذ سنوات".
"تداعيات الحرب"
بحسب الأمم المتحدة فإن: "حوالي 8.1 مليون شابا وشابة في سن الدراسة يحتاجون إلى الدعم العاجل لمواصلة تعليمهم. ونتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة فإن غالبية الآباء يشعرون بأنه ليس لديهم خيار سوى إلحاق أطفالهم في الأشغال والعمل، مشيرةً إلى تدهور البنية التحتية، إذ تم تدمير أكثر من 2500 مدرسة أو إتلافها أو استخدامها لأغراض أخرى".
بالتزامن مع تدهور التعليم في المدارس الحكومية والجامعات، يكافح طلاب المناطق الريفية في مواصلة تعليمهم، حيث يكافح نشوان غانم (23 سنةً) في مواصلة تعليمه الجامعي بجامعة إب، ويقول لـ" منصة ريف اليمن" برغم الظروف المعيشية القاسية وتدهور التعليم أدرس بقسم الأدب الإنجليزي، أتطلع إلى إكمال دراستي".
"ظروفي صعبه تكاليف السفر من قريتي إلى الجامعة أثقلت كاهلي أسكن في قرية محطب بريف السياني، وهي تبعد مسافات طويلة وتكلفة التنقل تكلف نحو 2000 ريال، ناهيك عن المصروفات الأخرى كشراء الملازم والكتب وتكاليف الرسوم الباهظة. ويضيف لـ "منصة ريف اليمن" وضع الطلاب اليمني أصبح صعب للغاية نخشى من مستقبل مجهول ".
"مستقبل مجهول"
من الصعب معرفة عدد الطلاب المحرومين من التعليم الجامعي في ريف محافظة إب، لكن مصدر أكاديمي في الجامعة أكد لـ "منصة ريف اليمن"، "تراجع نسبة إقبال الطلاب على الدراسة في الجامعة، بشكلٍ غير مسبوق خصوصاً طلاب المناطق الريفية، الذين كانوا يشكلون الجزء الأكبر من الطلاب خصوصاً في الأقسام الدراسية، لافتاً إلى أن بعض الأقسام لا توجد فيها سوى مجموعة قليلة وبعضها تم إغلاقها بشكل نهائي.
لا يختلف الوضع بين طلاب الجامعات والمدارس، ففي المدارس الحكومية تشهد العملية التعليمي، تدهورا كبيراً، إذ يقول الكثير من الطلاب، أنهم يذهبون بشكل يومي إلى المدرسة لكنهم يعودون إلى بيوتهم، دون أي مكاسب تعليمية على الإطلاق، حيث أن غالبية أساتذة المواد العلمية مثل الفيزياء والكيمياء والرياضيات، غير متواجدين بعضهم ترك التدريس، وفضل الذهاب إلى أسواق العمل بحثًا عن العمل لمساندة أهاليهم وتغطية نفقاتهم اليومية بسبب استمرار توقف رواتبهم.
وفي ظل غياب المعلمين المتخصصين في المجالات الدراسية، واعتماد بعض المدارس الحكومية في ريف محافظة إب على المتعاونين من خريجي الثانوية، وحديثي التخرج من الجامعات تتزايد مخاوف الطلاب والطالبات، من تدمير مستقبلهم خاصةً مع غياب التحصيل العلمي، وصعوبة الاختبارات النهائية لطلاب الشهادتين الأساسية والثانوية.
في السياق تقول أستاذ علم الاجتماع الدكتورة انتصار الصلوي لـ "منصة ريف اليمن" إن ابتعاد الطلاب عن الدراسة والحرمان من مواصلة تعليمهم الجامعي، قد ينعكس سلباً على حياتهم إذ سوف يؤثر على صحتهم الجسدية والنفسية".
"الكثير الطلاب ممن أجبرتهم الظروف المعيشية القاسية إلى ترك التعليم سوف يتوجهون إلى البحث عن أعمال البعض منها شاقة في حين أبناء الميسورين يواصلون تعليمهم في الجامعات والمدارس الخاصة"، تنهي حديثها "من شأن ذلك التأثير على صحتهم النفسية وقد يصبح البعض منهم ضحية للاكتئاب والأمراض النفسية ".
*منصة ريف اليمن