اب بوست-متابعات
"كارثة داخل كارثة" هكذا يمكن وصف الحال في الشمال السوري، بالنسبة لمجمل البلاد، حيث تضاعفت تداعيات الزلزال في سوريا، جراء سنوات من هجمات الأسد والقصف الروسي ثم جائحة كورونا وأيضاً سياسات النظام في تقليل نقل الوقود لخارج العاصمة.
والآن مرة أخرى، يسمع السوريون دوي سقوط المباني، ويرون الغبار المتصاعد من أكوام الخرسانة الرمادية القاسية وأسياخ الحديد الملتوية التي كانت منازل ومكاتب. ومرة أخرى، يحفر الناس بأيديهم في الأنقاض، على أمل، يتبدد في أحيان كثيرة، إنقاذ أهلهم وأحبابهم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
فيوم الإثنين 6 فبراير/شباط، تسبب زلزال مدمر في محو مجمعات سكنية ومتاجر وحتى أحياء كاملة في ثوانٍ، في مشاهد مألوفة تماماً لمنطقة دمرتها أكثر من عشر سنوات من الحرب الأهلية.
وكان ملايين الأشخاص الذين نزحوا بسبب الحرب فروا إلى الشمال، المكان الوحيد الذي لا يزال خارج سيطرة الحكومة. وكانوا يحتمون في الخيام والأطلال القديمة وأي مكان آخر يجدونه بعد أن طال الدمار منازلهم السابقة.
والانهيار الاقتصادي الذي تسببت فيه الحرب حال دون حصول كثيرين منهم على طعام لائق. وأزمة الوقود هذا الشتاء تجعلهم يرتجفون من شدة البرد في فراشهم. وتسببت البنية التحتية المتآكلة في إصابة الآلاف بالكوليرا في الأشهر الأخيرة. وأدى الخراب الذي لحق بالمستشفيات إلى عجز كثيرين منهم عن الحصول على رعاية صحية.
ثم جاء زلزال يوم الإثنين، ليفاقم الكارثة في الشمال السوري الذي نسيه العالم.
الغارات الجوية الروسية، ثم هجمات بشار الأسد، واليوم زلزال
يقول إبراهيم الخطيب، أحد سكان تفتناز في شمال غرب سوريا، إنه هب فزعاً من نومه في الصباح الباكر واندفع إلى الشارع مع جيرانه. وقال: "كيف لنا أن نتحمل كل هذا؟ الغارات الجوية الروسية، ثم هجمات بشار الأسد، واليوم زلزال؟".
ويقول الدكتور أسامة سلوم في مستشفى على حدود إدلب: "تأتينا جثث جديدة كل دقيقة". وتوفي صبي، في السادسة من عمره تقريباً، حين كان الدكتور سلوم يجري له عملية إنعاش قلبي رئوي. وقال: "رأيت الحياة تغادر وجهه".
كارثة داخل كارثة بالشمال السوري والبعض ظن الزلزال قصفاً روسياً
وقال الدكتور سلوم: "ظللنا نجوب السماء بأعيننا بحثاً عن الطائرات. كان عقلي يخدعني، ويوهمني بأن الحرب عادت من جديد".
وناشد مارك كاي، المتحدث باسم لجنة الإنقاذ الدولية، إرسال مزيد من المساعدات إلى سوريا في أعقاب الزلزال. وقال: "في أي مكان آخر في العالم، ستكون هذه حالة طوارئ، ولكن في سوريا هي حالة طوارئ داخل حالة طوارئ".
على أن خسائر الحرب- الدمار الهائل، والأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وانهيار العملة- ستزيد من صعوبة عمليات الإنقاذ من جميع الجوانب.
رغم الاستجابة السريعة من فرق الطوارئ فإن الدمار كان أكبر من طاقتهم
فرغم الاستجابة السريعة من فرق الطوارئ في المنطقة المنكوبة، والبحث بين الأنقاض في البرد القارس والمطر، كان حجم الدمار يفوق طاقة عمال الإنقاذ المعتادين على المباني المنهارة.
فلا تتوفر معدات إنقاذ تكفي الأعداد الكبيرة من الأشخاص المحاصرين تحت الأنقاض. وانهارت المباني التي نجت من الزلزال الأول الذي بلغت قوته 7.8 درجة جراء توابع الزلزال المتكررة، في انعكاس لهشاشة البنية التحتية في سوريا بعد سنوات من الغارات الجوية والقصف المدفعي.
وفي حلب، قال السكان إن الناس خائفون جداً من البقاء في منازلهم كي لا تنهار فوقهم، ولذلك يكتفون بالبقاء في سيارات في أماكن مفتوحة مثل ملاعب كرة القدم.
عشرات الآلاف أصبحوا مشردين في مناطق المعارضة
وتسيطر جماعات المعارضة على الركن الشمالي الغربي من البلاد، على طول الحدود مع تركيا، ويقطنها حوالي 4.6 مليون شخص. ويقول رائد الصالح، مدير منظمة الخوذ البيضاء، منظمة الإغاثة والدفاع المدني التي تعمل في مناطق خارج سيطرة الحكومة، إن عشرات الآلاف من الأشخاص في تلك المنطقة أصبحوا مشردين مؤخراً.
ومخيمات اللاجئين ممتلئة عن آخرها بالفعل جراء النزوح من مناطق الحرب، فهي تضم 2.7 مليون شخص قدموا إلى الشمال الغربي من أجزاء أخرى من البلاد.
وصارت المستشفيات شبيهة بما كانت عليه حين كان القتال في ذروته، حيث اكتظت الأجنحة بالمرضى الذين يتشاركون الأسرّة والأطباء الذين يعالجون الضحايا في كل زاوية.
فرغم انتهاء الاشتباكات الكبرى، لم يعد القطاع الصحي للعمل بكامل طاقته بعد. فلا يعمل الآن سوى 45% من مرافق الرعاية الصحية في سوريا قبل الحرب، وفقاً للجنة الإنقاذ الدولية.
وحتى الآن، لم تبدأ أي جهود واسعة النطاق لتجديد البنية التحتية المدمرة في سوريا، وتلقي الحكومة باللائمة في ذلك على العقوبات الغربية، ولو جزئياً.
السوريون يشعلون النار في القمامة طلباً للتدفئة
وهذا الشتاء، يعمد السوريون إلى إشعال القمامة وقشور الفستق لتدفئتهم، ويستحمون مرة واحدة فقط في الأسبوع ولا يذهبون إلى المدرسة أو العمل بسبب نقص الوقود اللازم لإيصالهم إلى هناك. وهجر البعض الوجبات الساخنة. وباع آخرون ستراتهم الشتوية لشراء الطعام أصلاً.
وفي بعض الأماكن، لا تعمل الكهرباء سوى أقل من ساعة في اليوم، ما يجعل السخانات الكهربائية والهواتف المحمولة عديمة الفائدة. وتوقفت مضخات المياه في المزارع، ما أدى بالتالي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية؛ والمضخات لا تعمل أيضاً في المباني السكنية، وهذا أجبر الناس على الشرب من مصادر ملوثة.
وتقلص الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بأكثر من النصف بين عامي 2010 و2020، وفقاً للبنك الدولي، وصُنِّفت من جديد في الدول منخفضة الدخل عام 2018. وتسببت جائحة فيروس كورونا في مزيد من الخسائر الاقتصادية وإرهاق نظام الرعاية الصحية في البلاد.
ورغم انتصار حكومة الأسد في الحرب، فهي تعاني نقصاً شديداً في السيولة في السنوات الأخيرة لدرجة أنها لجأت إلى إجبار رجال الأعمال الأثرياء على المساهمة في تمويل الرواتب والخدمات الحكومية.
الزلزال أوقف نقل المساعدات عبر تركيا لشمال سوريا
وقالت ماديفي سون سوون المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أمس الثلاثاء إن تدفق المساعدات من تركيا إلى شمال غرب سوريا توقف مؤقتاً بسبب تداعيات الزلزال المدمر، مما جعل عمال الإغاثة يواجهون مشكلة فيما يتعلق بطريقة توصل المساعدة للناس في بلد مزقته الحرب.
والمساعدات عبر الحدود، والتي تشرف عليها الأمم المتحدة منذ عام 2014، مهمة جدا للسوريين الذين فروا من حكم الرئيس بشار الأسد خلال الصراع مبتعدين عن الأراضي التي يسيطر عليها.
وقالت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لرويترز إنه لا توجد صورة واضحة عن موعد استئناف المساعدات التي يعتمد عليها نحو أربعة ملايين شخص.
وأضافت: "بعض الطرق معطلة والبعض الآخر لا يمكن الوصول إليه. هناك مشكلات لوجستية تحتاج إلى حل".
وقالت: "نحن نستكشف كل السبل للوصول إلى المحتاجين".
يتضمن ذلك إيصال المساعدات من داخل سوريا عبر الأراضي التي يسيطر عليها نظام الأسد، وهي عملية تنطوي على عبور الخطوط الأمامية التي نادراً ما تمر عبرها المساعدات خلال الحرب.
وتعارض دمشق منذ فترة طويلة العملية الإغاثية إلى سوريا من تركيا، وتقول إن المساعدات يجب تسليمها من خلال الحكومة السورية.
دعوات لروسيا للضغط على الأسد لفتح المعابر لمناطق المعارضة
من جانبها دعت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى فتح جميع المعابر الحدودية للتمكن من تقديم المساعدة بشكل أسرع في سوريا أيضاً.
وقالت بيربوك في مؤتمر صحفي، إنه لا يوجد حالياً سوى معبر حدودي مفتوح واحد وقد تضرر بسبب الزلزال. وأضافت: "لهذا فإن فتح المعابر الحدودية مهم جداً"، وتابعت: "أن الواجب المطلق الآن هو أن تصل المساعدات الإنسانية إلى حيث تكون هناك حاجة إليها"، من قبل المتضررين.
ودعت وزيرة الخارجية الألمانية روسيا إلى المساعدة في الضغط على سوريا للسماح بدخول المساعدات الإنسانية لضحايا الزلزال بسرعة ودون أي عقبات إضافية. وقالت: "لا بد أن يمارس كل اللاعبين الدوليين، ومن بينهم روسيا، الضغط على النظام السوري لضمان وصول المساعدات الإنسانية للضحايا". وتابعت: "من المهم تنحية الأسلحة جانباً الآن وتركيز كل الجهود في المنطقة على المساعدات الإنسانية وعلى انتشال الضحايا وحمايتهم" موضحة أن كل دقيقة تحدث فارقاً.
نظام الأسد يمنح المناطق خارج العاصمة وقوداً أقل
وفي خضم نقص الوقود على مستوى البلاد، أعلنت وزارة النفط السورية يوم الإثنين أنها سترسل إمدادات إضافية من البنزين والديزل إلى المحافظات المتضررة لتشغيل الآلات اللازمة لعمليات الإنقاذ وإزالة الحطام. وسلطت هذه الخطوة الضوء على قلة ما تحصل عليه المناطق خارج العاصمة دمشق من وقود في الأشهر الأخيرة، بعد أن خفضت الحكومة دعم الوقود بدرجة كبيرة.
وكان ما يعرفه معظم السوريين أن هذا النقص في الوقود جعل حتى أبسط الأنشطة كابوساً، حتى قبل أن يضرب الزلزال.
الزلزال في سوريا يأتي ظل طقس شديد البرودة
وقال مواطنون وعامل إغاثة مقيم في دمشق إن غياب الوقود يعني كهرباء شحيحة، وبالتالي قلة الماء الساخن اللازم للاستحمام أو تحضير الشاي الساخن. وفقدت الأشجار في العاصمة دمشق والغوطة، الضاحية الريفية، فروعها بعد أن قطعها الناس ليشعلوها. ويلجأ آخرون لحرق بقايا الزيت الصناعي، والفضلات المتبقية من عصر الزيتون، أو الإطارات، أو الملابس القديمة، أو القمامة التي يرسلون أطفالهم لجمعها من الشارع.
وخارج المنازل، كانت الحياة متوقفة بالكامل تقريباً بعد أن توقفت سيارات الأجرة والمواصلات العامة بسبب نقص الوقود.
وأغلقت المدارس أبوابها أو غاب عنها طلابها؛ لأنهم لا يتمكنون من إشعال الأنوار أو تدفئة الفصول الدراسية. وتعطلت شبكات الإنترنت والهاتف المحمول. وأُغلقت المكاتب الحكومية ليومين من أيام الأحد في ديسمبر/كانون الأول توفيراً للوقود؛ واستقال عشرات الموظفين حول طرطوس، المطلة على ساحل البحر المتوسط، مؤخراً عوضاً عن إنفاق رواتبهم على الذهاب إلى العمل والعودة منه، وفقاً لصحفي في المنطقة لم يرغب في الكشف عن اسمه خوفاً من الحكومة.
وهذا الصحفي وزوجته وأطفالهما الثلاثة يذهبون إلى الفراش في أبكر وقت ممكن، حوالي الساعة 6 مساءً، لمجرد الحصول على التدفئة.
واتحدت ندرة الوقود مع بنية المياه المتدهورة في سوريا لتفجر أزمة أخرى العام الماضي: تفشي الكوليرا. ففي منتصف ديسمبر/كانون الأول، قالت الأمم المتحدة إنها تشتبه في أكثر من 60 ألف إصابة بالكوليرا على مستوى البلاد.
والوصول إلى المياه النظيفة محدود جداً لدرجة أن بعض السوريين قالوا إنهم توقفوا عن غسل أيديهم لادخار المياه للشرب، أو إنهم يشربون مباشرة من نهر الفرات الملوث، وفقاً لاستطلاع حديث في شمال شرق سوريا أجرته منظمة REACH؛ قال 82% من المشاركين في الاستطلاع إنهم لا يستطيعون شراء صابونة.
وقالت إيما فورستر، مديرة السياسات والاتصالات في منظمة المجلس النرويجي للاجئين، ومقرها دمشق: "الخدمات العامة بالفعل على وشك الانهيار بعد 12 عاماً من الأزمات. ويقول الناس إنه أسوأ عام حتى الآن، إلى جانب سنوات الحرب".
*عربي بوست