اب بوست-خاص
سيطر الخوف والهلع على مليشيات الحوثي في محافظة إب، منذ تشييع جثمان الناشط حمدي الخولاني الملقب بـ"المكحل"، حين تحولت تلك الجنازة إلى مظاهرة شعبية منددة بالمليشيا، في مظاهرة وصفت بالأقوى منذ الانقلاب، وهو ما بدى واضحا من خلال الاجراءات التي قامت بها المليشيا ضد المواطنين في المحافظة.
حيث قامت مليشيا الحوثي بفرض حصار خانق على المدينة، واختطاف عدد من الناشطين في المدينة على خلفية حضورهم تشييع جثمان المكحل، الذي مثل عنوانًا لثورة شعبية، باتت بوادرها تلوح في الأفق، فما كان يقال سرًا وفي وسائل التواصل، صرخ به أبناء المحافظة في وجه المليشيا علنًا مرددين شعارات "لا إله إلا الله والحوثي عدو الله".
إن التشييع الشعبي الكبير للناشط حمدي المكحل، لم تكن جنازة فحسب؛ بل انتفاضة شعبية واسعة، وبداية لمرحلة جديدة وحاسمة ضد الحوثي، وفرصة ملهمة لليمنيين للمُضى قدما في مواجهة هذه العصابة، من خلال تلك التظاهرة الشعبية التي خرج فيها أبناء المحافظة رجالا ونساء، حيث تعد الأقوى منذ سيطرة مليشيا الحوثي على المحافظة في أكتوبر 2014.
استنفار حوثي
لم تتوقع مليشيا الحوثي أن يتحول تشيييع جثمان الناشط المكحل إلى انتفاضة شعبية في إب، ساندها اليمنيون في مختلف المحافظات، لتكشف هذه الجماعة عن الغضب المكبوت الذي يختلج في أوساط الناس، الذين باتوا على أحر من الجمر للثأر لكرامتهم، والانتصار لإرادتهم ودولتهم وجمهوريتهم.
تلك الانتفاضة الشعبية التي خرج فيها الناس طوعًا، أوصلت رسالة الشعب للمليشيا، أن الثورة قادمة لا محالة، وهو الأمر الذي دفع المليشيا إلى اتخاذ عدد من الاجراءات لمواجهة هذا الغضب، من خلال الترهيب والتخويف للمواطنين عبر الاختطافات، ونشر المسلحين والمخبرين في الأزقة والحارات.
حيث فرضت المليشيا الحوثية طوقًا أمنيًا على المدينة القديمة، ولم يقتصر الموضوع عليها فحسب، بل تحول الموضوع الى حصار لمدينة إب بشكل كامل، حيث نشرت المليشيا عددًا من الأطقم في الشوارع الرئيسية مثل شارع العدين، وفي الحارات، والمناطق السكنية، والسبل، إضافة إلى طوق خارج المدينة في المنفذ الشمالي للمدينة، حيث يتواجد عدد من الأطقم فيها منذ عدة أيام، تنتشر من مثلث السحول حتى نقطة الأميرة.
كما نشرت المليشيا أطقم متجولة، عليها مسلحين يلبسون زي الأمن المركزي، وعليهم قناعات على وجوهم حتى لا يتم معرفتهم، وذلك بهدف ترويع الناس، حيث بدت هذه التحركات والاستنفار غير المسبوق، خوفا من توسع رقعة الغضب الشعبي الذي قد يعصف بهم في أي لحظة، كما استقدمت المليشيا من صنعاء، وحدات من قوات الأمن الخاصة والأمن الوقائي التابعة لها ووزعتها في عدد من شوارع وأحياء المدينة.
إب: موعد مع التاريخ
إن التحرك الواسع والانتفاضة الشعبية التي تعيشها محافظة إب، منذ تشييع جثمان الناشط المكحل، هو بداية مرحلة لمحافظة عانت كثيرًا من سطوة المليشيا، وانتهاكاتها التي تنوعت بحق المواطنين بين القتل والإعدام والتصفيات للقيادات السياسية والوجاهات الاجتماعية، وتعذيب وقتل المختطفين، وتفجير المنازل وغيرها.
لقد كان لإب قصب السبق، في الانتفاضة ضد المليشيات المسلحة منذ سيطرتها على المحافظة في 2014، حيث شهدت عدد من المناطق انتفاضات مسلحة ضد الحوثيين، ومنها انتفاضة الشعاور والأهمول في العدين، وبعدان، ويريم وغيرها، وجاءت جنازة المكحل والانتفاضة الشعبية التي رافقتها، لتؤكد أن إب ماضية في ثورتها حتى اسقاط الانقلاب.
لقد حددت جنازة المكحل بوصلة الصراع، وعملت على توحيد الصف الجمهوري في مواجهة المليشيا الانقلابية، لتكون في إب صدارة الانتفاضات الشعبية السلمية، في مواجهة صلف المليشيات الحوثية، حتى باتت إب على موعد مع التاريخ ولن تخلفه أبدا زمانًا ومكانًا بإذن الله، وأن "مدة صلاحية صكوك الولاءات المؤقتة التي أبرمت في لحظة غرر تاريخي، وفي زمن الخيانات والتواطئات، وفشل النخبة، وغياب دور البطل الملهم قد انتهت"، وفقا لتعبير السياسي اليمني عبده سالم.
غليان شعبي
كشفت جنازة المكحل، أن الغضب الذي كان يتقد في صدور الناس، قد تحول إلى شعارات في مارس من السنة الماضية، وفي مارس الجاري تحول إلى فعل حقيقي على الأرض في محافظة إب. لقد مزق المواطنون شعارات الصرخة والعبارات الطائفية الحوثية التي انتشرت على جدران المباني والمنازل والمساجد، تعبيرا عن حالة الرفض الشعبي لنهج مليشيا الحوثي وفكرها الدخيل.
كما قام المواطنون بإحراق ملازم تتضمن محاضرات تحتوي على نصوص تعكس الفتنة الحوثية، تعبيراً عن رفضهم لما تحتويه تلك المحاضرات من فكر ضال ومنحرف يسعى لزرع بذور الفتنة المذهبية، وذلك في ظل حالة الغليان الشعبي التي تعيشها محافظة إب، ضد انتهاكات المليشيا المتصاعدة وانتقامها من المدنيين.
لقد، نجح المكحل ومشيعوه في هز سلطة الحوثي الهلامية، وتقويض بعض أسسها. بطولة المكحل ومشيعيه له، تقف عندما حدث في الأول من رمضان الجاري، بل هي الخطوة الأولى. وسيشهد المستقبل مزيدا من الحراك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المناهض للحوثي، ولن يكون بإمكان الحوثي مواحهتها فالقوة التي يعتقد أنها ستحميه، ستكون أول من ستوجه له رصاصة الموت.