نشوان النظاري-خاص
على بعد أقرب بحيرة من الضياع نتكوم نحن في آخر نقطة سوداء كالحة في هذا العالم كمـوتى افتراضيين، حثالات رخيصة، فائض بشري متبلد، مخلوقات متدنية القيمة، كائنات تُساق كل يوم إلى محارق التاريخ والنهايات البائسة بلا أدنى تفكير في قدسية الحياة، وحقيقة الوجود المليء بالشغف والمحطات الفارقة.
توقف قلب هذا الطفل عن الخفقان بعد ساعات قضاها تحت هجير الشمس في بيع المناديل الورقية منتصف الشهر المنصرم في شوارع إب القاحلة، كانت محاولة للقيلولة واخذ استراحة للعودة مجددا لدائرة الشقاء، لكنها طالت وامتدت إلى حد اللاعودة حيث الرصيف مصير النهايات البائسة. لا مفردات أو لغة في كل هذا الكون يمكنها تخفيف حدة ووجع هذه النهاية المؤلمة، هذا الوداع القاسي، هذه الغفوة الأبدية التي تترجم واقع الطفولة في هذا البلد وعمق الآثار الكارثية التي خلفتها هذه الحرب البشعة والصراعات الحقيرة.
هذا الجسد المترنح على خشبة الدنيا نحن، بقايانا التالفة، ضميرنا المفقود والمفقوء والمهترئ. جثا أخيرا بعد أن قدم عرضا بطوليا أظهر حجم زيفنا وكشف البعد الحقيقي لواقعنا الكسيح، أسدل الستار عن حقائق تلك الفقاعات والمساحيق المخاتلة، نسف كل تلك المرويات البطولية وهدم كل تلك الأساطير والبروبجندا الإعلامية المبنية على صناعة محلية هشة رديئة غير مقاومة ولا تملك القدرة الكافية للتحمل والصمود.
قد لا نكون من ابتكر هذا المشهد الذابل، ولسنا من أحدث كل ذلك الدمار في تلك السردية الوطنية الضعيفة، لكننا بالطبع متورطين في صياغة تفاصيل هذا المشهد المهين، فلم نحاول البتة فتح نافذة للضوء ولم نسهم في صناعة بصيص أمل وكنا على الدوام شركاء في تشذيب وتزيين كل هذا الشذوذ القبيح ومنح تلك الصورة الشوهاء الخالية من الروح والحياة خفقان كاذب ونبض زائف وحضور منزوع الكرامة والكبرياء.
إب تموت من الداخل، تتهاوى كما باقي مدن اليمن على امتداد جغرافيا الوهم وحدود العبث، فهذا الفتى المجهول صورة مهينة لوضع اقتصادي منهار للغاية، انعكاس لواقع لا تدركه الأنظمة الحاكمة ولا تقدره، وأنى لها هذا وهي ترفل بالجبايات والايرادات المهولة.
خلاصة الأمر نحن نُقتلع من الجذور بشكل تدريجي، نموت بصمت ونحترق بلا ضجيج، ليبقى فتى المناديل ثقب في قلب الإنسانية المهلهلة وجرح في وجه الضمير المفقود، وعنوان لمرحلة سوداء حملت في طياتها كل أنواع القبح والسفالة الوجودية.
•من صفحة الكاتب على الفيسبوك