صلاح الأصبحي-متابعات
لم يكن فتح المنفذ في تعز منذ عام من قبل المليشيات الحوثية كفيلاً بتخليها عن تنفيذ هجماتها وتسسللاتها في مختلف جبهات تعز، كون المدينة تمثل شوكة في الحنجرة بالنسبة لها، ومن المستحيل أن تكف عن سلوكها العدائي معها، فطيلة الفترة التي أعقبت فتح المنفذ تضاعفت حجم الهجمات وتعددت المحاولات الباحثة عن ثغرة للعبور، وما صاحب ذلك من تحشيد مستميت وتعبئة فائقة لكسر جدار العجز الذي مني به الحوثي في مدينة عصية على الاختراق كما تبدو له.
ومع ذلك توهم هذا العدو أن بمقدوره النفاذ من هذا التحصين ربما قد يأتي عبر منافذ العبور إلى المدينة التي بدت ربما حيلة لتمكينه من مبتغاه، وفشلت نواياه الخبيثة تلك في أولى محطاتها، فقد ظلت المليشيات تعزف أوتار الإنسانية والتمظهر بمبادرتها لتمديد المدة الزمنية من جانبها في تعز للمنفذ الوحيد الرابط بين تعز المدينة وحي الحوبان، تخفيفاً لمعاناة العابرين من المنفذ بين السادسة صباحاً والسادسة مساءً.
وحين تجاوب الطرف الحكومي مع الموضوع وسريان مفعول الاتفاق من صبيحة يوم الخميس السادس من رمضان، بادرت المليشيات بإمطار الأحياء الشرقية وطريق العبور في المنفذ بعد ساعات بقصف مدفعي وأسلحة متوسطة بصورة مفاجئة وغير متوقعة، مثبتة أنها مصدر شؤم ونذير موت مهما جنحت لبصيص باهت من الخير الواجب عليها وليس امتناناً منها كما يتصور بعض المخدوعين بأساليبها الدنيئة وأفعالها الرخيصة.
في الليلة السابقة لسريان الاتفاق دفعت المليشيات بعشرات المواطنين من الحوبان باتجاه المنفذ بعد انتهاء الفترة الزمنية المحددة كالمعتاد موثقة تلك المشاهد بزوبعة إعلامية وتداولها في وسائلها الإعلامية كدليل دامغ على رفض الطرف الآخر للمبادرة، وكيل التهم له بعرقلة فعلها المحمود كما تتوهم؛ وبعد سريان التنسيق كشرت عن أنيابها وشرعت في قصف المنفذ والأحياء المجاورة ومناطق تمركز الجيش بكل صلف وقبح.
مرات كثر حدثت عدة تسللات كانت في بعض الأحيان تؤدي إلى إغلاق المنفذ لعدة ساعات، وأخرها كان يوم الثالث من إبريل الجاري حيث قامت الجماعة بتنفيذ تسلل وهجوم مباغت في الجبهة الشرقية وقصر التشريفات وباءت محاولتها بالفشل ومصرع أربعة من عناصرها، جماعة تتلقى أعنف الغارات الأمريكية وفي المقابل تبحث عن بصيص نصر في أزقة تعز.
لا تستطيع هذه المليشيات النأي عن ارتكاب الجرائم وخرق الاتفاقات والاستخفاف بأرواح الأبرياء غير مكترثة بحرمة الزمان أو المكان؛ كونها مفطورة على تصدير الموت لا الحياة، وباعثة للخوف لا الأمان، ولا يأتي منها إلا الشر، تلك حقيقتها المطلقة وهويتها الراسخة مهما حاولت التحايل في إخفاء ذلك السلوك المشين، والمخاتلة في تغليفه بمبادرات إنسانية أو أخلاقية أو نزولها عند المسؤولية السياسية أو السلطوية.
وبإمعان البحث عن الدافع الذي جعل المليشيات الحوثية تطرح مقترح التمديد في شهر رمضان، سنجد أنه جاء بالتزامن مع سريان قرار البيت الأبيض بتصنيفها منظمة إرهابية أجنبية ودخوله حيز التنفيذ، وفرض عقوبات طالت قيادات وجهات حوثية متعددة، ولذا حرصت على تشتيت هذه الصفعة القاسية باختلاق وسيلة إلهاء مناسبة تشغل الجماهير وتخفف تشوه صورتها في أذهانهم، وكانت تتوقع أن الجيش في تعز سيقابل مقترحها بالرفض كما أملت وحاولت استثماره في الليلة السابقة، وبعد تقبله وسريان مفعوله عادت لغيها بنسف مبادرة التمديد والمعنيين بها من الجيش والعابرين الأبرياء.
وبالعودة إلى الماضي القريب سنجد أن قبول المليشيات بفتح المنفذ قبل أشهر ليس رأفة بتعز التي خنقتها بالحصار طيلة عقد، وإنما تغيير وسيلة النيل من المدينة سلطة و قاطنين بعد أن فشلت في إحراز تقدم ملموس في الجبهات، رغم إصرارها على تلك الرغبة الجاثمة على تخوم المدينة، فمالت إلى إتباع أساليب الحرب الباردة بفتحها للمنفذ، من خلال محاولات إغراق المدينة بخلاياها لعدة مهمات، للتجسس ورصد تمركزات الجيش، وإثارة الفوضى وخلق أزمات واضطرابات وصراعات ...الخ.
لا نوايا سلام ولا بوادر إنسانية ولا إشفاق أو أخلاق يمكن أن تصدر عن مليشيات إرهابية تتقن صناعة الزيف وتتصنع الجنوح للسلم؛ بينما أفعال الشر هي الطاغية في النهاية على سلوكها، وخاصة بشأن تعز هذه المدنية التي أعجزتها وخيبت أملها في تجاوز تلك الحدود الجغرافية التي بدت كأنها فواصل نهائية كمناطق تماس مهما بذلت من تدابير فإنها لن تفلح في كسب حتى نقطة واحدة فيها .
فقد بدت تعز شجاعة بما فيه الكفاية وهي تحتضن الجماهير الوافدة بود وصدر رحب دونما تنمر أو تضييق الخناق عليها في شوارعها الضيقة، لكن المفارقة أن كل تلك الحشود تنفست الصعداء في المدينة ووجدت فرقاً شاسعاً في طبيعة الحياة بين داخل المدينة وخارجها واستشعرت أنه رغم التفاوت الاقتصادي الظاهر إلا أن الراحة النفسية والمادية كانا من نصيب المدينة المحاصرة وإن خارجها هو سجن كبير مليء بالقمع والنهب والسلب.
وفي كل يوم تزداد تعز قوة وتماسكاً وتشهد نشاطات حيوية اقتصادية وثقافية وفنية وإعلامية وعسكرية مستوعبة ماهيتها المدنية وطبيعتها السياسية كرائدة في تثبيت صورة الدولة الحقيقية والاحتفاظ بملامح المدنية والتعايش والتسامح وفي نفس الوقت بثبات مشروعها الوطني ومبادئها الثورية كعدائها المطلق لمليشيات الحوثي الإرهابية واستبسالها لوأد مشروعه ودحض أكاذيبه وردع كل محاولاته البائسة للنيل منها ومن كرامتها.
المصدر: يمن شباب نت