اخبار هامة

    سيناريو الحسم حقيقة أم خيال سياسي!

    سيناريو الحسم حقيقة أم خيال سياسي!

    صلاح الأصبحي-متابعات

    تحدٍ تاريخي أمام مجلس القيادة الرئاسي في هذه اللحظة المفصلية من معركة الصراع مع الحوثي، تحد بمقدوره كشف حقيقة هذا الكيان الممثل للشرعية اليمنية المعترف بها دولياً بمختلف قياداته والتشكيلات العسكرية المنطوية تحت ظلال الشرعية صورياً، لكن لا تمتثل لقراراته ولا يجمعها معه القرار السياسي أو العسكري أو الانتماء الوطني، وقد حان الوقت لتبديد الشكوك وإثبات الصورة الحقيقية التي يقف عليها كل كيان ينتمي للجمهورية، ويهتم باستعادة الدولة من قبضة الانقلاب الحوثي.


    الكثير من القيادات العسكرية والسياسية تندد برفع جاهزية الجيش وتعلن حالة التأهب لكن دون اتخاذ خطوات ملموسة، وما بين التنديد واتخاذ القرار بالبدء تتسع الهوة وتتكشف عدة خيارات وتساؤلات ورؤى تعيق أي تحرك، مما يجعل ذلك التأهب مجرد خطاب يتستر على فعل الحسم والتحرير، ولا يظهر ما يحاك خلف الكواليس من موانع وعوائق بارزة سواء كانت متعلقة بأمور داخلية أو لها بعد خارجي إقليمي أو دولي.


    حالياً تغير ذلك المنطق المحير إبان الغارات الأمريكية التي تنسف نقاط التفوق الحوثية عسكرياً، وتستأصل مكاسبه التسلحية، وما سيتبعها من تفكير في تنفيذ هجوم بري على بعض المناطق، لكن البيت الأبيض لن يتخذ هذ الخيار بمنأى عن اختبار مدى فاعلية مجلس القيادة والثقة به كلياً أو ببعض مكوناته حسب إمكانية القدرة على الاشتراك في هذا الهجوم وإدارة ما سيتم تحريره، علماً بأن الهجوم سيقتصر من وجهة نظر واشنطن على مناطق التهديد الحوثية كالحديدة والشواطئ المتاخمة لباب المندب، إلا لو استطاع مجلس القيادة انتهاز الفرصة وتوسيع دائرة الهجوم في مدى أوسع وفاعلية أكبر.


    والسؤال هنا: هل لدى مجلس القيادة ذلك الحس العسكري القادر على استغلال إيجابية هذا الخيار واستثماره لصالحه في المعركة، أم أن إهداره للفرص بات علامة حصرية على سياسته، وتلعب الانقسامات والتشظيات داخله دوراً كبيراً في تثبيط هممه وإضعاف قراراته، ويتهرب دوماً من اعتبارها معضلة في تكوينه؟


    طبعاً لا نشكك بقدرة جيشنا الوطني المنتمي للشرعية وليس تابعاً لبعض المنتمين لها سياسياً، لكنه يفتقر لذلك الدعم السخي والعتاد اللذين تمتاز بهما مختلف التشكيلات الأخرى المسنودة إقليمياً، وهذه حقيقة، فقد ظل ثابتاً مرابطاً في الجبهات وشكل قوة ردع مستميتة ضد المليشيات في مأرب وتعز مثلاً، وهو الممتثل الأقرب لرئيس مجلس القيادة ووزارة الدفاع، لكن السياق العام لتنفيذ الحسم يتطلب إسهام كل القوات في الأراضي المحررة  بمختلف توجهاتها وتأجيل خلافها الأيديولوجي والسياسي والاجتماعي واقتناص لحظة تاريخية ثمينة سيكون التفريط فيها نكبة وطنية وخيبة يمنية ستلازم كل اليمنيين عقوداً ولا يمكن غفرانها.


    وبالرغم أن سيناريو الحسم العسكري قرار مثالي وتوقيته حالياً أكثر مثالية، لكنه للأسف يضع الجميع في ورطة كبيرة، الشرعية اليمنية كمسمى دستوري ومجلس القيادة كسلطة، ومجلس الوزراء والنواب والقيادات السياسية  والمدنية والحكومية، والتشكيلات العسكرية المختلفة، والأحزاب السياسية والتكوينات الاجتماعية، وكذلك قيادة التحالف، ودول الإقليم، والمجتمع الدولي، بمعنى أن الكل أسهم بشكل أو بآخر في رسم ملامح مشهد سياسي يمني عاجز عن القيام بفعل الحسم، وتصاعد كمية الإشكاليات التي نخرت جسد وروح الشرعية اليمنية التي تم إتباع سياسية الترقيع والتلفيق معها، وإبقائها متناثرة غير مترابطة، متخمة بالأزمات سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، سواء كان ذلك بإرادة خارجية أو بتماهي قياداتها مع ذلك الظهور الصوري الباهت وافتقارها لأدنى مسؤولية وطنية أو نية في تغيير صورة الهشاشة القائمة عليها بالفساد المستشري في هيكليتها أو تغلب منطق المحاصصة على سياسة الإدارة فيها، وإفساح المجال للعبث بصلاحياتها من قبل أطراف منتمية لها فعلياً أو شكلياً، فالمناطق المحررة لا تسيطر عليها هذه الشرعية ولا تتحكم بمصالحها وليس هناك قواسم مشتركة قوية تجمعها مع سلطة عليا جامعة .


    ولذا فالمنطق يفرض علينا -ونحن نلوك بألستنا وخطاباتنا ونجهد مشاعرنا وتفكيرنا بخيار الحسم العسكري والشروع بمعركة تحرير شاملة- أن نستقرئ حزمة الاختلالات الماثلة في المشهد السياسي اليمني في المناطق المحررة ككل أو بصورة مجزأة، سواء اعتبرنا مجلس القيادة الرئاسي المتحكم الفعلي فيها أو لا، وهذا يدفع للتساؤل: هل ملامح هذا المشهد تنبئ عن احتمالية إنجازه خيار الحسم أو لا؟! لأن قرار الحسم لا يمكن اتخاذه بيوم وليلة مهما كان التوقيت مثالياً، ومهما كان العدو في قمة ضعفه وارتباكه، كون القرار مرتبط بجملة الإخفاقات والأخطاء التي اقترفتها الشرعية أو ارتكبت بحقها طيلة عقد، وكل يوم تخسر جزءاً من حقوقها وصلاحياتها ومسؤوليتها في أكثر من صعيد.


    لقد عملت الشرعية على تبني خطاب التماسك الزائف والتنطع بلغة التشرعن الخادعة دون إدراك أنها تغرق في مستنقع الفشل، وعاجزة عن إنقاذ حقيقتها وإنقاذ شعب مصيره مرتبط بها، وحرصت على صناعة الوهم وامتصاص غضب الناس بالأمل الزائف، وأخطر أمل نثرته في مسامع الشعب قدرتها على إنهاء كارثة اليمن بحسم عسكري، رغم أن أفعالها تقف على النقيض، وظلت تراهن على السلام المدعوم خارجياً ولم تفلح، ولم تعمل من أجل الخيار الآخر شيئاً أو حتى حافظت على حقها في ذلك الذي سلب منها عشية تشكيل مجلس القيادة واستثمره الحوثي بكل السبل.


    ولست متشائماً بقراءتي هذه بقدر مواجهتي للحقائق وشعوري بالقهر، وبمقدورك اختبار ما طرحت من خلال مقارنة ملامح لحظة التحرر الأولى في 2015 وما عليه هذه اللحظة رغم أن الإمكانيات الآن أفضل، لكن التشظيات أعمق والإرادات مفتقدة والغايات متباعدة، والتموضعات متباينة، وحالة المجتمع  يائسة، ولم تعد على وتيرة واحدة فقد تمَّ تشتيتها بالمصالح والانقسامات، والمخلصين منه عاجزين عن إثبات حضورهم وإبراز فاعليتهم كقوة مقاومة قادرة على المضي في الحسم، مع العلم بأن المغامرة في الحسم ستكون جنوناً مع كل العوائق لكنه الحل الأعظم الذي لا نجاة لأحد إلا به، ولا تكفير لكل إخفاقات الماضي إلا به.


    فما أشد مرارة أن تتهيأ لك الفرصة في إسقاط خصمك، وأن يحاصره السخط من الداخل والخارج، وأنت ليس بحوزتك إلا مشاهدته يواجه مصيره بمفرده وانتظاره لكي يفرغ من جحيمه وعودته لمناطحتك من جديد، يا لها من خيبة لم نعهدها من قبل.


    المصدر: يمن شباب نت

    قد يعجبك ايضا!