اخبار هامة

    عبثية المواقف المخاتلة!

    عبثية المواقف المخاتلة!

    صلاح الأصبحي-خاص

    ذوبت المواقف المخاتلة اليمن كجليد في محيط متلاطم الأمواج، وعجلت مناياها بلا أقدار، حيث لم يبن الصراع فيها وبشأنها على حقائق، ولم تكن المواقف المتعلقة بها في الداخل ومن الخارج قائمة على منطق وتجليات صريحة وانحيازات ثابتة تسند الحق وتناطح الباطل، وإنما ثمة عبثية في النظر لهذا الصراع، وغموض مريب يتحكم بحركة المواقف طيلة عقد منذ صعود جماعة انقلابية وتصدرها كمرتكز في الشأن اليمني، وخوضها حزمة من الصراعات والمواجهات المحلية والإقليمية.

     

    لعل من أهم المرتكزات الأساسية التي جعلت المليشيات صامدة كل هذا الزمن هو أن الكل نظر لها بإيجابية ذاتية لإزاحة خصم له، وإهمال خطرها الجسيم عليهم، فظلت توهم ذا وذاك بوقفوها في صفه، باعتبارها خصماً للكل وللجزء، ومضت على هذه الوتيرة، ومارست اللعبة ذاتها على المستوى الإقليمي والدولي، مستغلة تلك الحسابات الضيقة والرؤى القاصرة والألعاب الإقليمية المتفشية في المنطقة، فتمكنت عبر هذه الحيلة من المضي قدماً، والعبور من كل مأزق مهما كانت قسوته، حتى بلغ تماديها أوجه، وباتت تهديداً استجلب القصف الأمريكي والصهيوني.

     

    كل هذه المعطيات أثقلت كاهل الشأن اليمني، وأصبحنا كشعب عاجزين عن اختراق تلك الذريعة التي فرضت مخاتلة المواقف، والمراوغة في إنهاء عبثية هذا الصراع مع الجماعة، وقد كان مؤخراً الاستهداف الأمريكي المباغت لها والمتوقف فجأة دون أن يفضي التأديب إلى وضع جديد بالنسبة لعلاقاتها ومسار حضورها إقليمياً ودولياً، بينما بقت الشرعية اليمنية تمارس دور المتفرج، ويطالها التهميش وغياب الرؤية في كيفية التفاعل مع هذا المشهد الدرامي، وتدفقت التساؤلات المستاءة مما يجري، ولماذا يسير على هذا النحو الغامض ؟.

     

    وفي اللحظة الذي يلامس فيها دخان السخط على الجماعة عنان السماء، وتزمجر فيها أنفاس التائقين إلى الخلاص، يتم تنفيس ذلك الزخم بردة الفعل الباردة للشرعية اليمنية التي لم تفلح في كسب نقطة نجاح واحدة، حيث انشغالها الأخير بتغيير رئيس وزراء من نفس دائرة العجز الكامن في الأداء الحكومي، واستجداء أي تحسن مرئي على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، حد استشعار حافة اليأس وتسلط الإحباط كمصير ملازم للصراع المضني مع المليشيات.

     

    هذا الجو الغائم كلياً في المشهد السياسي اليمني يثير مخاوف مستقبلية من تعتيم الصورة، وتمكين العدو أكثر في صفقات قادمة يمكن استخلاص ملامحها من زيارة ترامب للشرق الأوسط وإيقاف هجماته التي لم يفصح عن شروطها، وربما ستتجلى إبان الزيارة ووصوله لتفاهمات مع طهران، كل هذا التداعيات غير مبشرة بالنسبة للشرعية المعترف بها، التي ترضخ للإقامة حيث تأمر وتقدم ما يطلب منها دون اعتراض، رغم انغماسها كل يوم في مستنقع الإخفاق وفقدان جزء من صلاحياتها.

     

    لم تحدث التحديات الفجة تغييراً في استراتيجية المواجهة بين شرعية متجمدة وعدو مستغل لكل اللحظات وجرجرتها لصالحه، والتأثير حتى على دوائر صنع القرار لخصمه ليبدو متماسكاً ونحن أكثر ضعفاً، أكثر عرضة للاختراق السياسي والخطابي والذهني، نحلق بلا أجنحة ونستقيم في التعثر، ويجذبنا التهميش كقول وفعل، ويتغلغل اليقين بالخيبة الأبدية وربط أية تحول بتعقيدات نلجأ إليها للخروج من حلقة اللوم وإسكات الأصوات الناقدة لتراخينا وانشغالنا بالمصالح الشخصية، وانفصامنا عن مهمتنا الوطنية التي يتوهم الشعب أننا خير من يمثلها.

     

    والحقيقة النائية عن الأذهان أن الانتصار لم يعد مبنياً على القوة على الأرض أو امتلاك المشروعية المحلية والدولية، التي إن عدت مقياساً لظفرت الشرعية بغايتها، ويفتقر عدوها لنقاط القوة تلك، لكن المواقف وحدها هي من تصنع فارقاً وتخلق توازنات وتغير معادلات، وترسم خرائط لطبيعة الصراع بين طرف وآخر، مواقف الدول الرسمية وغير الرسمية، مواقف القادة والساسة، مواقف الجهات المختصة ومراكز الأبحاث والمنظمات، المواقف التي أصبحت متحكمة في مصائر الشعوب ومستقبل المجتمعات كفلسفة سياسية للقرن الواحد والعشرين.

     

    ومن هنا يمكن القول: إن شراء المواقف أو صناعتها بشكل مباشر وغير مباشر عند مليشيات الحوثي يمثل نقطة مركزية في مسيرتها وطوق نجاة دائم في سياستها، وقد فشلت الشرعية المعترف بها دولياً في استغلال هذه المنظومة، والعمل من أجل تقليص انحياز تلك المواقف لصالح خصمها، لدرجة تهميش مشروعيتها وانزياح حضورها وانعدام الثقة بها بشكل غير معلن، والأنكى أن تهكير الحوثي للموقف الوطني شمل قيادات في الشرعية أو بعض المحسوبين عليها، وفضيحة نواح البركاني على الحوثي زيد الذاري، وتصريح مصطفى النعمان المتيقن أن إزاحة الحوثي سيمهد الطريق لخصم أسوأ كالقاعدة وداعش من وجهة نظره، وهو يشغل منصب نائب وزير خارجية لهذه الشرعية.

     

    هذا الاختلال البارز في  المواقف له أبعاد خطيرة تمزق الشريان الداخلي والخارجي للقضية اليمنية وللشرعية وللمجتمع، وهو التفسير المنطقي الذي يقف وراء ضياع الفرص الذهبية المرمية في ملعب مجلس القيادة، وتجاهلها كأنه غير معني بها، فرص سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية، ولم يستطع التقاط أجزاء منها، كونه عجز عن توحيد مواقف مكوناته وحشد مختلف القوى السياسية خلفه، وإقناع المساندين له إقليمياً لتعديل لغة مواقفهم وتخليها عن المخاتلة.

     

    ورغم أن القضية اليمنية عادلة ولديها مشروعية دستورية وشعبية إلا أن القائمين عليها عاجزون عن إثبات أحقيتها، وترجيح كفتها على كفة خصمها، عقد مضى من تآكل جدرانها، وتحطم عزيمتها، وفقدان بوصلتها دون الاهتداء لفهم معايير اللعبة مع العدو السلالي المتقن  لدور الرابح دوماً، ولسنا بعد هذه السنوات العجاف قادرين على الصمت ونحن نتهاوى يوماً بعد آخر وتنسف أحلامنا الجمهورية وتداس كرامة مبادئنا الوطنية ونحن نتمسك بمن ينتزع منا ثوابت الإرادة وأعمدة العزيمة النابذة لبقاء جماعة استبدادية متحكمة بحاضرنا ومستقبلنا وفقاً لسياسة تمثلنا لكنها لا تتخطى عتبة طموحاتنا ولا تضاهي مدى إخلاصنا.

     

    المصدر: يمن شباب نت

    قد يعجبك ايضا!