اخبار هامة

    عن محاولات إضعاف تعز من الداخل

    عن محاولات إضعاف تعز من الداخل

    صلاح الأصبحي-متابعات

    مدينة كتعز ظلت واقفة في حنجرة الكهنوت، عصية على الانحناء، صامدة في ردع كل الدسائس والأحقاد طيلة عقد، لن تجهل مؤامرة إضعافها من الداخل، وتآكلها ذاتياً، وإغراقها بمظاهر التشوه وانحراف بوصلتها الوطنية، وإخلاصها المستميت في صون كرامتها والذود عن أمنها واستقرارها؛ مهما كلفتها تلك العزيمة من عناء وشقاء، ومهما تضخمت النوايا والأجندة لخلخلة عمقها الداخلي وبنيتها الأساسية وتجريف قيمها ووعيها، وزحزحة موقفها ورؤيتها الوطنية.


    ينبثق ثباتها من توجيه عدائيتها وتصويب كراهيتها كعقد اجتماعي ومرجعية وطنية باتجاه عدوها المتربص على تخومها، وكفاحها الدائم على تماسك مبادئ ذلك العِقد، وألا ينعكس اتجاهها، وتغدو نزعة القتل وحمل السلاح مدعاة لتفشي ارتكاب جرائم القتل وإحداث فوضى وزعزعة لأمنها وسكينة قاطنيها، وإلهائها بمسائل عرضية جانبية مقلقة تشغلها عن معركتها الوجودية، ولذا عليها إعادة تهذيب السلوك السلبي المتفشي في بعض أرجائها باتخاذ إجراءات صارمة واستيعاب تلك الدوافع والأفعال المزعزعة بجدية وصلابة، وتقليص ملامح الانفلات بفرض هيبة الدولة فوق أي اعتبار، ورفض أية استهانة بهذا المصير تحت أي مبرر.


    لم تكن قضية مرسال إلا إشارة إنذار وتحذير للسلطة والمجتمع في المدينة بالمآلات المستقبلية التي ستظهر تباعاً إن لم نقتلع تلك النزعات ونقف في وجه تفشي تلك الجرائم، وننتزع من وعي المجتمع رضوخه للعنف والاستهتار بأرواح الناس، وتصفية الخلافات البينية السطحية بإراقة الدماء والغرق في مستنقع العنف كوسيلة وحيدة لأخذ الحقوق وصون الكرامات دون اللجوء لأجهزة الدولة في ردع المظالم بالقانون أو القدرة في معاقبة المتورطين والمتمردين على صلاحياتها، واليأس من إمكانيات السلطة وقدرات أجهزة الدولة في بسط الأمن وملاحقة المجرمين.


    قضايا جمة وأزمات متفاقمة استوطنت المدينة مؤخراً وأحدثت موجات سخط وغضب شعبي عارم، وقد اتسع ضجيجها كون احتوائها خضع لصراعات خفية ومناكفات بينية وانتهازية حرفت مسارها كقضية استئناف التعليم وشحة المياه وفرض الأمن ومكافحة حمل السلاح، وتنفيذ العقوبات وتعطيل عمل المؤسسات، قد تبدو ربما مظاهر الإخفاق تلك خاضعة لتلاعب ونفوذ وتقصير وفساد يجب أن يعاد النظر فيها قبل أن يتسع الخرق على الراقع، ويلتهم الفشل صمود المدينة والانقياد الذاتي صوب المجهول المرعب.


    لكن مهما وجدت تجاوزات وإخفاقات هنا وهناك فإن الطريق لن يفسح لها لتبلغ غايتها، ولن يترك لها المجال للعبث، وسترتطم بعدة موانع وإجراءات تتكفل بامتصاصها، والتكفل بمعالجة تلك الهفوات العابرة؛ لاسيما والحذر متقد واليقظة منتصبة والمبدأ الوطني مهيمن، والقرار غير خاضع لطرف واحد، والاصطفاف والتكامل والشراكة موجودة كأدوات فاعلة في إدارة المحافظة وانتقاء الحلول المناسبة لكيفية البقاء الآمن واستمرار عجلة الحياة الهادئة.


    ففي تعز رجال مخلصون وطنيون في السلطة المحلية والأجهزة الأمنية والعسكرية والجيش الوطني والقوى السياسية والحزبية والمجتمع قادرون على حماية مصالح المدينة واستقرارها بعيداً عن شبح المحاصصة وتقاسم النفوذ والمصالح؛ لأن اللحظة حرجة والواقع السياسي والاقتصادي مضطرب، ويستدعي تماسكاً وتكاتفاً وحكمة في إدارة شؤون المدينة واستيعاب التحديات بمسؤولية وطنية.


    إذا كانت المراهنة على إفشال تعز من الداخل عبر إثارة الزوبعات في كل شاردة وواردة تنشب في المدينة، وإظهارها كوكر للأخطاء وحاضنة للخطايا، وتغذية هذه الصورة وترويجها في الذهنية الجمعية، لا لشيء إلا لأنها اختارت طريق الانحياز لفكرة الدولة، وخاضت صراعاً مريراً في ترسيخ هذا الاختيار، ومرت بمراحل صعبة لاستعادة بوصلة الحياة بعد أن فنيت تماماً إبان الانقلاب وخوض حرب تحريرها، وحين تطالب تعز بالمثالية الإعجازية فتلك حيلة الحاقد الناقم الذي يتغاضى عن الظروف المحيطة والأجواء العامة.


    قدمت تعز تضحيات جسيمة لتبقى جمهورية، ومنتمية للشرعية اليمنية المعترف بها دولياً، ولم ينحرف توجهها السياسي والاجتماعي والمدني عن هذا الصراط المستقيم، ومن هنا فإنها جديرة بالحفاظ على تبعات ثباتها، وحماية توازنها واستيعاب كل الشروخ التي تتفتق في جسدها بصورة مباشرة وغير مباشرة، فلن تفرط في شيء يمس أمنها واستقرارها بعد أن غدت بيئة مدنية حاضنة لتدفق سكاني كبير، ونشاط اقتصادي ملموس، وحراك ثقافي إعلامي مشهود، وفيها مناخ سياسي فاعل، كل هذا يجبرها على صد أي اختراق ينال من مكانتها وما حققته من مكاسب.


    وعليه فإن كل المحاولات البائسة في إضعاف تعز من الداخل ستفشل، ولن تفلح في زحزحة صمودها الأسطوري في مختلف جبهات الشرف والبطولة الممتدة في جغرافيتها، إنها تعي الخطر وهو ما يزال مجرد فكرة فما بالك وقد ترجم إلى فعل فذلك مدعاة لتأهبها المتقد وحرصها اليقظ لوأده قبل أن يتصاعد دخانه ويزكم أنفها.


    المصدر: يمن شباب نت

    قد يعجبك ايضا!