اخبار هامة

    تهريب الأسلحة للحوثي: غفلة الشرعية وتواطؤ الإقليم

    تهريب الأسلحة للحوثي: غفلة الشرعية وتواطؤ الإقليم

    صلاح الأصبحي-متابعات

     من الحقائق المُرّة التي تم التعامل معها بسذاجة مقيتة وخفة مستفزة، حقيقة تهريب الأسلحة للحوثي واعتبارها أهم نقاط قوته الخفية طيلة عقد، والتجاهل المُريب المصاحب لها من قبل التحالف والمجتمع الدولي، والشرعية اليمنية على وجه الخصوص. علمًا بأنها تُعد مصدرًا رئيسًا ومغذيًا فاعلًا لتمكينه من امتلاك تقنية ومعدات عسكرية وتجميع تصنيعي قتالي فعّال مكّنه من إثبات وجوده وترجيح كفته.

     

    ليس تهريب الأسلحة لجماعة الحوثي مجرد صفقات عابرة وشحنات موسمية، ولكنه قطب مركزي يقف في صلب أولوياته وفي هرم نفقاته السخية. وخلفه تعمل شبكة طويلة ودروب متعددة ومنفذون كبار يعملون مع الحوثي في الداخل اليمني والخارج، برًا وبحرًا. وقد صنع سلسلة علاقات وتعاقدات مع مرتزقة محليين ودوليين في منطقة القرن الإفريقي، في ثنايا تهريبها وإيصالها عبر الشواطئ الساحلية الخاضعة للمليشيات، أو التي تصل برًا عبر عُمان إلى المهرة، وإيصالها بمساعدة مرتزقة من هناك إلى صنعاء، وفق تسلسل تنظيمي وتخطيط استراتيجي دقيق أفلح كثيرًا وأخفق قليلًا.

     

    ومن الغباء بمكان الاعتقاد بأن طهران هي الداعم الوحيد للحوثي في هذا المجال، لكنها قد تكون نقطة التجميع الأهم في شبكة شراء الأسلحة وتسهيل وصولها. فتجارة السلاح في العالم نشطة وفي أوج قوتها، والحوثي بالنسبة لها زبونٌ دسم يحظى باهتمامها ودعمها، وله تعاملات سرية مع زعمائها عبر وسطاء وأمراء حروب تعاونوا معه مقابل دفعٍ سخي وإنفاق مربح وفّرته المليشيات لهم. وما تلك البنوك والشركات والشخصيات المتورطة في هذا الشأن، والتي شملتها العقوبات الأمريكية، إلا نزرًا يسيرًا في دوائر التهريب التي استخدمها وكانت سندًا له لسنوات.

     

    لقد عمل الحوثي على استغلال كل نقاط الضعف، واختراق كل التحصينات، وابتكار وسائل التهريب ونقاط مرورها بصورة باعثة للحيرة، وبإصرار عجيب واحترافية هيأتها له الظروف السياسية والأمنية، حتى أصبح رقمًا صعبًا وصاحب خبرة مستميتة، مؤهلًا ماديًا واستخباراتيًا للنجاح في هذا المضمار. ولم تُقابل هذه العزيمة التهريبية بإرادة أمنية حازمة وتعاون إقليمي، بري وبحري، مع الشرعية لمكافحة هذا التهريب وقطع خطوطه واكتشاف شفراته في الداخل والخارج كما يجب. وظل التجاهل مخيمًا، وضعف الإمكانيات قائمًا، حتى وجدت الشرعية نفسها في موقفٍ ضعيف عاجز عن هزيمة خصمها في هذه النقطة الجوهرية في صراعها معه.

     

    لم يضع مجلس القيادة الرئاسي مسألة تهريب الأسلحة للحوثي نصب عينيه، ولم يشكّل غرفة عمليات مشتركة مخصصة لمكافحتها تشمل كافة مناطق الشرعية، وبتعاون وتنسيق مع كافة القوى الأمنية والعسكرية التابعة لمكوناته في مختلف المنافذ البرية والبحرية في اليمن. ولم يقم بإجراء ترتيبات أمنية إقليمية ودولية، أو بحث جاد عن شركاء فاعلين يُسهِمون في إضعاف نشاط التهريب، وملاحقة مصادره والمتواطئين معه، كونه خطرًا يهدد أمن اليمن والمنطقة وطرق التجارة العالمية في البحر الأحمر.

     

    لم ترتقِ شحنات الأسلحة المكشوفة للشرعية إلى مستوى تدفقها المهول، وتعدد سُبل دخولها واتساع رقعة عبورها لليمن بأكثر من صورة مكتملة أو قطعٍ مجزأة يتم شحنها بطرق ذكية يستعصي اكتشافها بيسر، وسلوكها طُرقًا وعرة وأماكن مهجورة، وفق خطط زمنية دقيقة تتجاوز كل الإجراءات الأمنية القائمة. وقد كشفت الضربات الأمريكية للبنية العسكرية الحوثية في مناطق سيطرته عن تمكّنه من بناء ترسانة عسكرية ضخمة، لا تتناسب مع خبرته وقدراته الصناعية، لو لم يكن تهريب الأسلحة أهم أسباب نجاحه ومصدر قوته في هذا السياق. ولم يتم تدارس هذا الموقف أو اتخاذ إجراءات فعالة بين المجتمع الدولي والمعنيين في الداخل اليمني لتقليص نشاط الأسلحة المُهرّبة وردم فُوّهاتها.

     

    والشاهد هنا أن شحنة الأسلحة الأخيرة التي كشفتها المقاومة الوطنية بالقرب من السواحل اليمنية المحاذية للمناطق الحوثية، كانت ردود الأفعال حولها أكثر عاطفية، وانحرف مسار تلقي خبرها. فبدلًا من كشف عملية مرورها منذ تحركها في المياه الدولية، وتجاوزها أنظمة المراقبة البحرية الدولية، وبلوغها السواحل اليمنية، وتتبع خط سيرها دون أن تُكشف من قبل القوات الدولية التي تُعيق أية عملية تهريب، حتى أصبحت صيدًا سهلًا للمقاومة؛ فلا بد من مخاطبة المعنيين الدوليين بشأن التساهل والتراخي مع مثل هذه العمليات التي تمنح الحوثي قوة غير معهودة. أما أن نبقى نتباهى ونشعر بالزهو ونُشيد بالنجاح الباهر كمنّة تفضلت بها المقاومة ومعجزة غير مسبوقة، فهذا أمر لا يليق إلا إذا اقترن بوعي وتحرك جاد.

     

    ولو نظرنا للأمر من ناحية مثالية بريئة، فإذا كان التهريب للأسلحة يأتي بمثل هذه الكمية الضخمة، فهذا دليل دامغ على أن الوضع خطير جدًا، حيث استطاعت المليشيات عبره أن تصنع لنفسها قيمة، دون أن نكون كشرعية يمنية وسلطة معترف بها، مكترثين بهذا الجانب بالشكل المناسب وعلى قدر التحدي والخطر. هناك اتساعٌ مقلق للفجوة بين خصمٍ مستميت يسعى لحيازة أكبر قدر من التفوق والجاهزية والتهديد، وبين سلطة شرعية لا تطمح إلى كسب المعركة والانتصار لمشروعيتها ومشروعها الوطني الجمهوري، واتكاؤها على رهانات أخرى لا يعد الحسم العسكري إحداها، ولا يهمها أن خصمها يستقوي يومًا إثر آخر، وهي تتقهقر وتعصف بها ترددات الضعف والانتظار لمصير لا تعرفه ولا تدرك ملامحه، دون أن تصنعه بنفسها.

     

    فمثل هذه الكمية الضخمة من الأسلحة تُنمّ عن اعتماد الحوثي على التهريب وثقة طهران الكبيرة به، واستعداد لخوض جولات أخرى من الصراع، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي. ولا نريد أن يكون التهاون مع التهريب من جانب القوى الدولية ناجمًا عن قراءة بعيدة المدى لإدارة الصراعات في المنطقة، حيث لا نوايا في إنهاء الخطر الحوثي، بل استخدامه كلعبة في إطار المصالح الدولية والرهانات القذرة لإبقاء المنطقة ساخنة بالتهديدات والمخاطر.

     

    المصدر: يمن شباب نت

    قد يعجبك ايضا!