نشوان النظاري-خاص
على مشارف محافظة إب، وبالتحديد المنطقة المحاذية للمدينة باتجاه وادي السحول، وقبل عقد ونيف، تسمرت قدما جندي كان يسير بأطراف أحد الحقول الزراعية، وارتفعت يداه اليمنى بمحاذاة رأسه، ووقف بشموخ وعزة وتماهي عقب سماعه صوت النشيد الوطني يصدح من إحدى المدارس الحكومية القريبة من المكان.
النشيد والعلم الوطني والطير الفارد جناحية بشموخ اليمني الأبي ليست أدوات عبثية أو استعراضات فائضة، إنها مفاعيل وقيم وثوابت وطنية لا يمكن التفاوض حولها أو المساومة، ذلك أنها نُسجت من دماء وتضحيات الأحرار، واختزلت تاريخ وحضارة شعب وجغرافيا أمة.
تلك الرموز الخالدة تشكلت بفعل تحولات جذرية وانعطافات مفصلية أحدثت نقلة حضارية في مسار التطور الإنساني والمدني للإنسان اليمني، وخلقت ألفة وارتباط مجتمعي وثيق ساهم في تكون النسيج والانتماء الوطني الموحد.
تثبت الأيام وخلال ما يربو عن قرن من الزمان أن الغازي أو المحتل أو القوى المعادية للأوطان عند محاولتها تقويض أي بلد من جذوره فإن أول عمل تقوم به إزاحة الهوية الجماهيرية الجامعة عن طريق تغيير تلك الثوابت الوطنية أو النيل منها أو التقليل من أهميتها واستبدالها بنسخة مضروبة ومستوردة مزيفة.
تناهض القوى الوطنية الحية كافة مشاريع تجريف الهوية الوطنية والمجتمعية من خلال دفاعها المستميت والدائم عن الإرث الحضاري والمنظومة الوطنية الثابتة، والتصدي ببسالة لكل تلك المؤامرات الخطرة والخبيثة.
تثبت الأيام أن للمواطن اليمني حس وطني غرائزي يدفعه وعلى الدوام للتمسك بهويته وفكره الوطني ونرى ذلك جليا من خلال الممارسات العفوية مؤخرا، حيث يتم تدشين حفلات الزفاف واحتفالات التخرج بالنشيد الوطني، وإلصاق العلم على واجهات المركبات والمحلات التجارية.
النشيد والعلم والطير والتاريخ والجغرافيا كلها امتداد للهوية الجامعة، وخلاصات جيل مخلص تشرب العزة والكبرياء واستمد فكره الوطني من خلال نتاجات مراحل الشتات والتيه والتمزق والتشرد، ولم تكن صنيعة لحظة نزق عارمة، أو استلهام عابر.
زهاء عقد من الزمن والوطن يتعرض لافظع وأبشع أنواع المؤامرات والمحاولات البائسة والحثيثة والدؤوبة لنيل من هويته وثقافته وضرب قواه الوطنية الصادقة، لكن ذلك ما زاد المواطن إلا صلابة وعزيمة وإيمان قطعي بتلك الثوابت الوطنية التي لم تأت من الفراغ أو الترف الوجودي، بل كانت وستبقى ضرورات وجودية ملحة أدركها الجيل المؤسس والرعيل الأول.
يحاول العملاء والمرتزقة وأعداء الوطن اليوم الاستهتار بقيم راسخة وعصية على الانمحاء والتطويع والتدجين، ليبقى الوطن عزيزا شامخا برايته الخفاقة الموشاه بالمجد والحرية ونشيده الوطني الباعث للكرامة والكبرياء وكافة مفاعيله الوطنية التي لا تسقط أو تنهار، وليذهب جوقة النخاسين وتجار الأوطان لمزبلة التاريخ.
سينهض الشعب يوما ويثور على كل تلك الممارسات اللاخلاقية وعلى كل ذلك الشذوذ والسلوكيات الرعناء، وسيثأر من العملاء والجواسيس والمخبرين وكل من ساهم في إراقة الدماء ونشر الفقر وإذلال المواطن وهتك قيم الوطن المقدسة.