اخبار هامة

    الرأسمالية السلالية في إب… أجندة "زنابيل" المحافظة واغتيال روح المجتمع

    الرأسمالية السلالية في إب… أجندة "زنابيل" المحافظة واغتيال روح المجتمع

    صلاح الطاهري -خاص

    منذ أن بسطت مليشيا الحوثي قبضتها على محافظة إب، تعيش المدينة حالة غير مسبوقة من النهب المنظم تحت لافتات متعددة، ظاهرها الاستثمار والشراكة، وباطنها الاستحواذ والسطو الممنهج. هذه ليست مجرد حوادث فردية أو تجاوزات عابرة، بل هي سياسة اقتصادية سلالية متكاملة، تتغذى على المال العام والخاص، وتستهدف ممتلكات المواطنين بغطاء قانوني مفبرك وأحكام قضائية مسيّسة، تصدرها مؤسسات عدلية وأمنية تحولت إلى أدوات طيّعة في يد نفوذ الكهنوت.


    لقد نجح الحوثيون في صناعة ما يمكن وصفه بـ"الرأسمالية السلالية"؛ شبكة مصالح اقتصادية مغلقة، تتحكم بها قيادات قادمة من خارج إب أو من جذور سلالية متجذرة فيها، لكنها جميعًا تتشارك الانتماء إلى نفس "الشجرة الخبيثة". هذه الشبكة تتغلغل في كل مفاصل الحياة: من المشاريع العقارية والتجارية، إلى المبادرات الإنسانية والتنموية، وحتى التبرعات الخيرية، التي تُحوَّل بطرق ملتوية إلى أرصدة شخصية وأملاك خاصة لعائلات متنفذة.


    المشهد يزداد قتامة بوجود جيش من "الزنابيل" المحليين: عُقال حارات، ومشايخ، ووجهاء، ووسطاء، وتجار، بل وحتى إعلاميون وناشطون، جميعهم يعملون كأذرع منفذة لأجندة السطو السلالي، تحت مسميات براقة ومخادعة. هؤلاء لا يكتفون بتبرير النهب، بل يشاركون في تنفيذه، مقابل فتات من الامتيازات أو حماية مصالحهم الشخصية.


    ولم تتوقف آثار هذا المشروع عند حد النهب المادي، بل سقط كثير من أبناء إب ضحايا له. فمنهم من تحمل فوق طاقته من ظلم واستغلال واستحواذ، فسقط مكبلًا بالعجز وقلة الحيلة، ومنهم من تراكمت عليه الديون حتى غرق في الإفلاس، ومنهم من اضطر لمغادرة إب مثقلًا بالمصاعب والالتزامات المالية. ومع ذلك، لم يسلم هؤلاء من المطاردة وتلفيق التهم والقضايا الملفقة، لتأتي المرحلة الأخيرة من المخطط: تشويه السمعة والإساءة لهم في المنصات الإعلامية ووسائل التواصل، في محاولة لتجريدهم من التعاطف الشعبي، وتحويلهم من أصحاب قضايا عادلة ومظالم واضحة إلى متهمين مطاردين، يُراد إسكاتهم وتغييبهم عن المشهد.


    المأساة أن كثيرًا من قضايا المواطنين، من أراضٍ مغتصبة إلى أموال منهوبة، لا تجد طريقها إلى النشر أو الضوء، بل تظل رهينة أدراج النيابات والمحاكم، حيث تُدار اللعبة لصالح المتنفذين، وتُختتم المسرحية بأحكام تمنح الغاصب صكّ ملكية، وتحرم الضحية من أبسط حقوقه.


    حتى المبادرات الإنسانية والمشاريع المجتمعية لم تسلم من هذا الجشع؛ فكم من جمعية خيرية أو مبادرة تنموية قامت بجهود ذاتية، تحولت فجأة إلى غنيمة باردة في يد أحد المتنفذين أو أقاربه، عبر أساليب احتيالية تستغل ضعف الحماية القانونية وغياب الدولة الفاعلة. هكذا، يتم تفريغ العمل الإنساني من روحه، وتحويله إلى أداة لخدمة شبكة النفوذ السلالية.


    إن ما يحدث في إب اليوم ليس مجرد نهب، بل اغتيال ممنهج لروح المجتمع، وإعادة تشكيل اقتصاده وثقافته على مقاس فئة صغيرة ترى في المحافظة أرضًا مفتوحة للاستثمار غير المشروع. إنها عملية إحلال قسرية، تستبدل قيم التكافل والجهد المشترك بثقافة الجشع والابتلاع، لتصبح الحياة اليومية لأبناء إب معركة صامتة من أجل البقاء في وجه ماكينة استحواذ لا تشبع.


    ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه: إلى متى سيظل صوت النفوذ السلالي هو الأعلى، فيما تُكمم أفواه الضحايا، وتُغتال العدالة في وضح النهار؟


    التاريخ قد يطول صمته، لكن حين ينطق، سيسجل أن إب كانت شاهدًا على واحدة من أبشع صور النهب المقنن، تحت راية الرأسمالية السلالية.

    قد يعجبك ايضا!