صلاح الأصبحي-متابعات
من الخطط المهملة في هندسة معركة الصراع مع الحوثي، وأساليب هزيمته، إغفال دور الاقتصاد كسلاح فعال سيرجح دفة الشرعية إن هي استوعبت أهميته، بينما حرص الحوثي بكل الوسائل على إفشال اقتصاد الشرعية، وإغلاق منافذ قوته، ودعم سبل تهاويه، وخلق هوة كبيرة بين قيمة الريال في مناطقه ومناطقها، لاعتبارات خفية تتعلق بصورته السياسية في الوعي الجمعي، وإبراز هشاشة أعدائه وسوء الوضع المعيشي في مناطقهم، وربط ذلك السوء باحتقار مشروعيتهم الدستورية ومرجعيتهم الجمهورية، ومقارنة ذلك بوضع سلطته الانقلابية التي أفلحت في صون قيمة العملة، ولم يشعر الفرد بحجم التهاوي، مما جعله يقتنع ببقاء الكهنوت كسلطة، ولا يحلم بالتحرير باعتبار ما تحرر في حالة يرثى لها، ولا يشجع على اللحاق به.
هذه المعادلة لا يمكن تجاهل أبعادها في سياق المعركة مع الحوثي، وكان لها تأثير من الناحية السياسية والعسكرية، حيث همشت فكرة اعتبار الحوثي عدوًا لكل اليمنيين، ومقاومته فرض منطقي، والاقتناع بأن كل خطايا الحوثي هينة إذا ما قورنت بإخفاقات الشرعية المضطرب اقتصادها، والمتخبطة في إدارة مؤسسات الدولة فيها، وهذا يعني أن الحوثي أوصل المجتمع للاعتراف بفضله اقتصاديًا كلما شخص ببصره صوب المأساة خارج نطاقه؛ كون المجتمع لا يفهم الصراع القائم إلا من هذه الزاوية، ويتغابى في إدراك أن ثبات سعر الريال مجرد أكذوبة صورية، بينما تبدو المعيشة متخمة بالغلاء وانعدام الدخل، وتوقف النشاط التجاري، والغرق في مستنقع الفقر والفاقة.
فقُبيل عزم الحوثي الشروع بفصل العملة، كان بعض عناصره يلوكون بأن سيدهم سيجعل الشرعية تتخذ الطبعة الجديدة من العملة "وسائد للنوم"، في إشارة لاحتقارها، وظل تبرم بعض عبيد الحوثي المغفلين قائمًا، وحرصهم على عدم التعامل بها بتاتًا حتى قبل تفشي فكرة المنع، كما لو كانت الطبعة الجديدة رذيلة تنم عند كل من يلامسها عن خلل في عقيدته ودينه، وكأن الطبعة القديمة هي من كان يستخدمها جدهم الحسين بن علي والرسي وكل رموز الشيعة، هذا مجرد شاهد بسيط على حجم الاستغفال السلالي للعامة، وغرس أفكاره في أذهانهم.
وعليه، فإن الكرة الآن في ملعب الشرعية، التي يبدو أنها وعت شفرات اللعبة، وتمكنت في ظرف وجيز من قطع شوط كبير في خطة استقرار العملة وتثبيت سعرها مقابل العملات الأجنبية، وبتر أذرع المضاربة بها، وتجفيف خلايا التهريب وهوامير غسيل الأموال الذين تربطهم قواسم مشتركة مع الحوثي، والاستفادة منهم في إيصال العملة الصعبة لمناطقه من جانب، وتهريب أمواله إلى الخارج لعقد صفقات شراء الأسلحة والمعدات العسكرية من جانب آخر، وقد أدرك المجتمع الدولي خطورة اللعبة، فجاء وقوفه مع البنك المركزي عمليًا، ومبنيًا على تضييق الخناق على الحوثي اقتصاديًا، ومساندة الحكومة في نفس الجانب إبان اكتشاف أن ترهل اقتصاد الشرعية لعب دورًا في منح الحوثي مزيدًا من القوة والنفوذ بصور مباشرة وغير مباشرة.
في اللحظة الراهنة، تعد مواجهة الحوثي اقتصاديًا الوسيلة المثلى لهزيمته، حيث إنه يعاني تخبطًا ماليًا، وعقوبات دولية طوقته بحصار تجاري يعيق فسحة استيراده للسلع والمشتقات النفطية، وتقليص حجم الجمارك التي كان يجنيها من ميناء الحديدة، وتأثره عقب الضربات الإسرائيلية وتعطل حركته على إثرها، فشحة السيولة من عملته القديمة، ولجوئه إلى طباعة بعض الفئات النقدية الصغيرة لتخفيف حدة العجز ومقاومة الركود التجاري والمالي الذي خيم على مختلف الأسواق في مناطقه.
إذا قوبلت كل تلك الإشكاليات الاقتصادية والنقدية الحوثية بإصلاحات اقتصادية شاسعة في مناطق الشرعية، كتراجع سعر الصرف إلى نصف سعره الحالي، وانخفاض أسعار السلع، وتطبيق حظر التعامل بالعملة الصعبة بشكل كلي، وإنهاء كافة وسائل تجفيف السيولة من النقد الأجنبي ودوافعها، ومكافحة الفساد، والحرص على توريد جميع المؤسسات الحكومية إيراداتها إلى البنك بشكل منتظم، واستئناف تشغيل كل الموارد الأساسية الداعمة للاقتصاد كتشغيل مصافي عدن وتصدير النفط، وتحريك مختلف النقاط الاقتصادية التي ستعزز من التحسن الاقتصادي وتطمر باحات العجز وأذرعها في كل المناطق المحررة.
ومن ضمن المعالجات الاقتصادية أن حكومة بن بريك عازمة في الأشهر الثلاثة القادمة على إقامة مؤتمر اقتصادي في عدن برعاية حكومية، ومؤتمر أمن غذائي في عدن برعاية من دول مجلس التعاون الخليجي، ومؤتمر مانحين برعاية دولية، وهذا التحرك من المتوقع أن يصب في تعزيز استعادة الاقتصاد اليمني لعافيته، بحشد واقتفاء كل السبل الممكنة لاستقراره، بما يشكل فارقًا بينه وبين اقتصاد المليشيات الحوثية، وسيتجلى الفارق بين حكم الدولة وسلطة العصابة، وسيصيب الاستقرار الاقتصادي المليشيات بمقتل حين يعم أثره كل جوانب الحياة سياسيًا واجتماعيًا وعسكريًا، وستتظافر جميعها لتعجيل هزيمة الحوثي بصورة مفاجئة لا محالة.
المصدر: يمن شباب نت