اخبار هامة

    تعز لا تقبل الهزيمة!

    تعز لا تقبل الهزيمة!

    صلاح الأصبحي-متابعات

    فُجعت تعز في الأيام الماضية مرتين: الأولى باغتيال فلذة كبدها افتهان المشهري، والثانية بتسونامي أحقاد وتعزير وضغائن ومكائد أطبق كفيه عليها إبان فاجعة الاغتيال، واتخذها نصلًا حادًا لغرز الطعنات في تعز، وللنيل من وطنيتها، وتدمير كيانها وتشويه حقيقة تاريخ وقيمة جيشها الوطني وأجهزتها الأمنية والعسكرية، وتصويرها كمدينة عصابات مكسيكية أو كقندهار الأفغانية.

     

    محنة عصيبة تشابكت فيها دوافع السخط مع دوافع الكيد والانقياد لأبواق حرف المسار، وجرّ المدينة إلى صراع حزبي وعسكري ومناطقي وشيك، بعد نزع كل ملامح الدولة ومظاهر المدنية، والإبقاء على اعتبارها حاضنة لجرائم القتل والانتهاك برعاية أجهزة الدولة فيها.

     

    وفي لحظة الضعف القاسية والحملات المسعورة، خيبت تعز كل التوقعات، وأعلنت انحيازها المطلق عبر أجهزتها الأمنية والعسكرية ومعها القوى الوطنية من أحزاب ومجتمع أنها لا تقبل الهزيمة ولا ترضخ للشتيمة، ولا يستقيم فيها التمرد على سلطة الدولة والإفلات من العقاب.

     

    فمن قلب عاصفة الغضب والاستنكار والازدراء وانتشاء الناقمين عليها، اندفعت الأجهزة الأمنية والعسكرية بعزيمة صلبة للقبض على المتهمين، وعزيمة إثبات مسؤوليتهم الوطنية ونفي تُهم التخاذل والتواطؤ عن مؤسسات الأمن والجيش، لتكلل هذه العزيمة بنجاح مبهج وإنجاز غير متوقع للحملة الأمنية، وعدم اكتفائها بالنيل من القاتل، وإنما مداهمة أوكار كل قاتل ومتهم في قضايا جنائية مشابهة، واستئصال كل أذرعهم ودوافعهم. وما يزال الأوغاد يشككون بجهود الحملة، ويعملون على تسييس الحملة والقضية وجرّها إلى مربعات أخرى.

     

    هذه هي تعز: خلاصة المثال الفريد لمعنى المقاومة، لمعنى الانتماء للمشروع الوطني في مدينة دفعت ثمنًا باهظًا من الدماء والمعاناة لتنتصر لحريتها وكرامتها، وظلت عصية على الانحناء والولاء لأي انحراف رجعي سياسي أو كهنوتي.

     

    كونها لا تبرر أية خطيئة، ولا تغفر أية زلة، وتقف في صف الحق والحقيقة كفطرة، وتستجيب لصوت ووعي وإرادة أبنائها، وتعتبر صحوتهم وصرختهم ويقظة ضميرهم نداءً للتصحيح وفرصة لتجفيف مصادر الإخفاق واجتثاث منافذ القلق، فلا تترك فراغًا في ملمحها وحضورها تتسلل منه رياح حاقدة وأفواه صدئة تشكك بوطنيتها وتهوّل إشكالياتها.

     

    كان الرهان أن تحل الذكرى الثالثة والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر وتعز غارقة في الفوضى، وعاجزة عن إلقاء القبض على قاتل افتهان المشهري، ليتم الدفع بالجماهير الغاضبة واستغلال هيجانهم نحو إفشال الاحتفاء بالعيد الوطني.

     

    لكن المدينة، التي خيبت أعصى التحديات، أفشلت هذا المخطط، وانتصرت مرتين في آن واحد، ومضت تزهو فرحًا بانتصارها الأمني، وتبتهج كعادتها احتفاءً بالثورة، وترسم الوجه الأنصع لتاريخها الجمهوري، موقدة الشعلة وسط التفاف شعبي جماهيري أكثر تماسكًا وشكيمة وإيمانًا بأن تعز أقوى مما يتوهم أعداؤها الحقيقيون والمختبئون وراء الزيف والتأسي عليها.

     

    والأدهى في كل هذا أن الطموحات المتآمرة لم تعِ حقيقة المدينة، وما زالت تقبع في دوامة حلم اليقظة المجسد للحظة انتزاع هذه الشوكة من جسد المستقبل، المقرون بهزيمة المدينة وإعادتها إلى حضن الخيانة أو حضن الكهنوت. وألا تبقى هكذا صادقة وقوية وغير مرتهنة، ومستندة على إرادتها الوطنية ووعيها الجمهوري، وانحيازها لانتصار شرعية الوطن الدستورية، وسيادة الدولة الجامعة القائمة على أسس المكاسب الوطنية. ورفض مضغ حالة الضعف والهشاشة وتمزق المشروع الوطني، وتثبيت الصورة الهشة للشرعية المعوَّل عليها في تحرير الوطن من المليشيات الانقلابية، ونبذ المزيد من فقدان البوصلة والانزلاق نحو الضياع.

     

    رصيد تعز مليء باللحظات القاسية والتحديات المرة، وخاتمة كل لحظة منها موسوم بالانتصار عليها، كما فعلتها مع الكهنوت والحصار والخراب، ومع التهميش السياسي والاقتصادي، والحرمان من المشاريع التنموية والدعم المادي لأجهزتها الأمنية وجيشها الوطني.

     

    انتصرت على الملشنة والولاءات الضيقة، ورسخت حضور الدولة ومؤسساتها، وحافظت على هويتها المدنية ونضجها الثقافي، وأبقت على تماسك النسيج الاجتماعي رغم التحديات دون أن تستسلم لدوافع الخيبة والخذلان. وكانت دماء الشهيدة افتهان اختبارًا فعليًا لإثبات هويتها وإبطال كل الشائعات التي تتسلق هاماتها.

     

    فتعز هي حصننا الجمهوري الأخير، المخضب بدمائنا وأرواحنا، والمطرز بآمالنا وأحلامنا. عيدك مجيد يا تعز، ورحمة وخلود لكِ يا افتهان.

     

    المصدر: يمن شباب نت

    قد يعجبك ايضا!