اخبار هامة

    26 سبتمبر.. تهمة حوثية!

    26 سبتمبر.. تهمة حوثية!

    صلاح الأصبحي-متابعات

    من أقبح ذرائع الاعتقال الحوثي ذكرى 26 سبتمبر، حيث ارتقى فعل الاحتفاء بها إلى مصاف الزلات المحرمة في شرع المليشيات، وغدت المناسبة مدعاة للزج بالعشرات في المعتقلات، واعتقالهم بطريقة الاختطاف والإخفاء القسري، حتى وإن لم يثبت على الضحايا مظاهر احتفاء سبتمبرية صريحة تتجاوز تعليمات المنع العلنية.


    لم يعد تجنياً القول إن سلطة الإمامة هي الحاكم الفعلي للمناطق الحوثية، وأن الجمهورية باتت صفحة مشطوبة من واقع اليمنيين هناك، حيث تلاشت ملامحها ومظاهرها ومنجزاتها؛ فقد استأصلها الحوثيون واقتلعوا جذورها، ولم يعد لها أي أثر باستثناء الاسم والعَلَم الوطني، وفي ذكرى الثورة التي شيدتها سبتمبر يُدرَج العَلَم في قائمة المحرمات، ويسري نهج القطيعة ويعمم فعله شتى البقاع اليمنية الخاضعة لإمامة مران.


    قد يبدو هذا التعسف الحوثي — في نظر البعض — كباقي الانتهاكات والمواقف، لكن حقيقة هذا الفعل مرعبة من حيث دلالاتها وجديتها الصارمة، والناجمة عن يقينيات راسخة تُوجب على السلالة إخفاء سبتمبر الجمهوري واقتلاع ملامحه كشرط وجودي يضمن بقاء سلطة سبتمبر الحوثي الإمامي الانقلابي. ولذا تُحشد قوة هائلة كأنها متأهبة لخوض معركة فاصلة، وليس لإطفاء الشعلات السبتمبرية التي يوقدها أحرار عزلٌ تنتشر في المدن والقرى بشكل مخيف.


    هذا النهج المتبع يَنمّ عن عداء هستيري، وعزم لا رجعة عنه أو استهانة في بلوغه مداه. ربما كان التوحش الحوثي هذا العام خفيفًا مقارنة بالعام الفائت، لكن خفته منبثقة من تجنب الناس التورط بالاحتفال أو التلميح به؛ فقد جمد الترهيب مشاعرهم، وكفّوا عن مجاراة هذا البلاء بعد أن ذاق أسلافهم الويل في السجون، وما زال البعض مغيبًا من الذكرى الماضية إلى اليوم بذات الخطيئة، والمختطفين هذه المرة كانوا ضحايا شكوك وتوقعات محتملة تبرهن ما كانوا سيفعلونه ليلة الذكرى.


    لم يحظ هذا الحدث باهتمام إعلامي واسع نظرًا لانشغال الجماهير بقضايا ساخنة أخرى في مناطق مختلفة، لكنه يبقى حدثًا مريرًا يعيدنا إلى التحدي الوجودي الذي يواجه اليمنيين كافة شمالًا وجنوبًا، مهما انشغلنا بغيره وانزلقنا للغوص في متاهات نائية؛ يبقى الحوثي بمشروعه التدميري أكبر مهدد لجمهوريتنا ومستقبلنا، وأكبر منتقم من تاريخنا وثورتنا؛ يعاقبنا على حريتنا وكرامتنا، يعاقبنا على ما امتلكناه من مكسب وطني منحنا وطنًا جمهوريًا لا سيادة فيه لأحد.


    وإذا مضى الحوثي على نفس الوتيرة الإمامية عامًا بعد آخر بمكنسة تجريف رجعية تقتلع جذور 26 سبتمبر بكل صلف، إلى أين سنصل معه بعد عقدين أو ثلاثة؟ وعِقده الأول المنصرم شهدنا به شتى أساليب الاجتثاثات والانتهاكات، لم يترك فيه بشرًا ولا شجرًا ولا حجرًا ولا أرضًا إلا وقاده إلى حظيرته الكهنوتية، وأعاد الشعب إلى بحبوبة القرون الوسطى من فقر وتجهيل وعبودية؛ بينما في المقابل لا استعداد لخوض المعركة معه من أجل سحب البساط من تحت يده وتحرير اليمن من قبضته. تاهت أجنحة الشرعية وغرقت في متاهاتها الداخلية وخلافاتها البينية وعجزت عن استعادة توازنها للتصدي له، مما ضاعف الخطر وزاد من تعقيد المعركة أكثر فأكثر.


    وعليه فإن المختطَفَين السبتمبريين إنذار أخير لرسم ملامح المستقبل في المناطق الحوثية التي غدت إمامية بامتياز؛ لا حرية إنسانية ولا حرية رأي أو تعبير فيها، والانتهاك فاق التوقعات، والعبث بالمبادئ والقيم الوطنية خرج عن السيطرة، وتجاوز الحد الذي نأمل فيه أن يتراجع الحوثي عن تأسيس إمارة سلالية خاصة به. وسيتم تطبيع مستقبل اليمن على بقائها له في حال وضعت خارطة طريق لزحزحة المشكلة اليمنية؛ فلا أحد يأبه بصراخنا أننا دولة جمهورية موحدة وأن 26 سبتمبر دعت إلى المساواة والديمقراطية. ستصبح تلك الثوابت جزءًا من الماضي ونسيانه فرض واجب.


    على اليمنيين استيعاب ماهية الخطر وعدم الانجرار لتشتيت صورة وبنية الشرعية والأرض اليمنية المحررة، وعدم اتخاذ التقسيمات العسكرية والسياسية القائمة في هذه المناطق كنتيجة نهائية مقبولة ومناسبة توازي إبقاء الحوثي ثابتًا في تلك المناطق ونسيان ما يسمى بالجمهورية، والتغاضي عن انقلابه المريع، وإهدار دماء الشهداء التي سقطت وهي تنتصر لعودة اليمن لما قبل الانقلاب، والمآسي التي جلبها والخسارات التي منينا بها في عهده. يا لها من لعنة ضعف وعجز وخذلان لا مثيل لها ستقتلنا جميعًا، بطرق مباشرة وغير مباشرة.


    المصدر: يمن شباب نت

    قد يعجبك ايضا!