أحمد خرصان-خاص
لا يبدو القرار الأخير الصادر عن التفتيش القضائي والقاضي بتوزيع ما أسماه القرار بخريجي الدورة التأهيلية الأولى لعلماء الشريعة للتدرب في المحاكم الابتدائية محاولة لإصلاح القضاء، بالقدر الذي يظهر النهم في الاستحواذ والسيطرة على مقاليد السلطة القضائية، بحيث تصبح تبعيتها منحصرة في جهة ما بعينها، وهو ما يدفع الجميع إلى التساؤل عن جدوى هذا القرار وفي هذا التوقيت وتداعياته على القضاء اليمني، إذْ يكشف دون مواربة العقلية التي يتم بها التعامل مع هذا الجهاز الهام بتلك الطريقة الباعثة على الأسى والحسرة، وبما يعني أن القضاء اليمني وسلطته القضائية ستعيش في قادم الأيام أحلك فترات انتكاستها وتضعضعها كمقدمة لتجريدها من قدسيتها وسلطتها، بحيث تصبح سلطة بلا سلطة وقضاء بلا قضاء.
متى علمنا أن هذا القرار كان خاصاً بخريجي الدورة التأهيلية الأولى لعلماء الشريعة، والذي يعني أن ثمة دفعات أخرى ستتلو هذا القرار، وعلى نحو سيرفد السلطة القضائية بعلماء الشريعة النجباء، وإلى الحد الذي ستعيش معه السلطة القضائية أزهى فترات تخمتها، لكنها التخمة المصحوبة بأمراض القلب، السكري، ألام المفاصل، وكل الأمراض المرتبطة بالعمود الفقري.
لم نستيقظ بعد جراء الصدمة والكارثة التي رفدت النيابات بالأعضاء (أبو ستة أشهر) وانعكاسات تلك القرارات التي ضاعفت أوجاع الناس من حيث اعتقد متخذوا القرار صوابيتها ونجاعتها في معالجة الاختلالات، ليضاف عبء جديد فوق الأعباء السابقة والتي يتحملها المواطن، ولعل مراجعة بسيطة لأداءات أولئك الأعضاء - إلّا من رحم الله - يدرك حقيقة ونتائج القرارات المتسرعة والمعلبة وتأثيراتها الكارثية، وإيمان المجتمع بآخر دفاعاته التي وكما يبدو أنها آيلة للانهيار والتشظي.
طيلة سنوات الحرب و"العدوان على اليمن" تحول المجتمع إلى حقل تجارب في كافة مكاتب ومؤسسات الدولة، وتحمل المجتمع برمته تبعات تلك التعيينات المفتقرة للكفاءة والقدرة، وأجبر المجتمع على تقبل وتفهم كل سبب لتبرير تلك التعيينات برغم كارثيتها، لكن تلك الأسباب لم تعد حاضرة اليوم لتبرير الزج بعلماء الشريعة - قضاة المستقبل - في أروقة المحاكم، دون الكشف عن كيفية تلك الاختيارات ومن قام بها ؟ ومدى التزامها بالقانون ؟ناهيك عن مدى الالتزام بالقانون في التعيينات، بدءاً بتعيين رئيس مجلس القضاء وبقية هيئاته وتفريعاته ؟ إضافة إلى تفاصيل كثيرة ستجعل السلطة القضائية عرضة للحذف والإضافة أو لنقل للاستنساخ، في عملية ستبدو مواليدها مشوهة وكسيحة.
يدرك الجميع أن ثمة أوجاع وأمراض وأوبئة تتغلغل في جسد السلطة القضائية وتحاول جاهدة الفتك بها، وندرك أنها أكثر احتياجاً لمشرط طبيب ماهر لانتزاع ما يؤرقها من أورام خبيثة كي تتعافى وبالقانون، لا ساطور مقامر أفرغ المعهد العالي للقضاء من مهامه وأحاله إلى ما يشبه ملفاً مهملاً في أرشيف لم يعد يهتم له أحد، لنصحو جميعاً وقد بتنا بلا قضاء، بلا قضية، وبوافر علماء شريعة سيعتلون وفي القريب العاجل سدة القضاء وسنام عدله المهدر...
•من صفحة الكاتب على فيسبوك والعنوان من اختيار المحرر








