ماجد عبده الشعيبي-خاص
في البداية أعلن الخميني تحالفه مع الجميع ضد شاه ايران وما إن استلم السلطة واحكم قبضته الحديدية على البلاد انقلب على كل حلفاءه بالأمس وعلى رأسهم اليساريين والاشتراكيين والشيوعيين وباقي الأحزاب التي كانت تصف نفسها بأنها تقدمية ...انقلب على الفن والفنانين وفرض الصوت الواحد .
وكم حذرنا من تكرار هذا السيناريو الخميني في اليمن ولكن لا حياة لمن تنادي وكأنك تنفخ في الرماد
في اليمن اليوم يتكرر المشهد نفسه الذي صنعه الخميني قبل أكثر من أربعين عامًا، ولكن بملامح محلية أكثر قسوة وفجاجة.
ما فعله الخميني في طهران لم يكن مجرد انتقال سلطة، بل كان هندسة شاملة لإقصاء كل من ساعدوه على الوصول إلى الحكم. رفع شعارات جامعة في البداية، وحين تمكن من مفاصل الدولة، أدار السكين نحو رقاب من صفقوا له بالأمس.
هذا الفعل ليس اجتهادًا سياسيًا، بل نمط ثوري مغلق يتكرر كلما صعدت حركة عقائدية مسلحة لا تعترف بالتعدد ولا بالشراكة.
في الحالة الإيرانية، اليساريون، الشيوعيون، الليبراليون، وحتى المؤسسات الفنية والثقافية كلها سُحقت تحت عجلة "الإرادة الإلهية" التي احتكرها الخميني. كانت الثورة بالنسبة لهم مجرد جسر؛ وما إن عبروا الجسر، أحرقوه ومن عليه.
في اليمن، كرر الحوثي السيناريو الخميني نفسه: استخدم الجميع، ساندته قوى واسعة بحسن نية أو بسذاجة سياسية، ثم بدأ يضربهم واحدًا تلو الآخر.
لم ينجُ حزب، ولا قبيلة، ولا شخصية سياسية.
اليوم لا يوجد حتى ادّعاء للتعايش: هناك حكم واحد، فكرة واحدة، لغة واحدة، وولاء واحد، وما سواه يعد خيانة أو "ارتزاقًا".
إن ما يحدث ليس حالة طارئة، بل منطق داخلي للمشروع نفسه. مشروع يقوم على فكرة امتلاك الحقيقة المطلقة، وبالتالي امتلاك الحق في تصنيف الناس: من معنا فهو من "أهل النجاة"، ومن ليس معنا فمصيره الإقصاء ثم السحق.
وكل من ظن أن الحوثي سيستثنيه لأنه "سكت" أو "تعاون" أو "لم يعادِ"، يكتشف اليوم أن عدم معاداته لم تشفع له، وأن دوره انتهى بمجرد أن اكتملت الحلقة الأمنية والعسكرية.
لقد حذر كثيرون من هذا السيناريو مبكرًا، وكان الرد دائمًا: المزايدة، التخوين، أو دفن الرؤوس في الرمال.
واليوم اتضح أن التحذير لم يكن صراخًا في العدم، بل كان محاولة لتجنّب هذا المصير الذي نعيشه تلك المناطق البائسة في اللحظة و الآن الحوثي ينتقم من الجميع، وبمزاج المنتصر الذي يعتقد أنه مكلف بعملية تطهير تاريخية.
ومع ذلك، ستظل اللحظة مفتوحة على احتمال مختلف:الناس حين ترى الحقيقة بلا أقنعة، وتدرك أنها لم تُستثنَ كما كانت تتوهم، تبدأ في إعادة تعريف نفسها وخصومها وأولوياتها. هذه اللحظة، مهما كانت دامية، هي التي تصنع التحولات الكبرى.
المشهد الآن مظلم، لكنه ليس مغلقًا. التاريخ لا يعطي صكوكًا دائمة، لا للظالم ولا للمظلوم.
وأخيرا :أنقل لكم نص حديث جاري الحوثي حين قال لي بلهجة حادة وصوت واضح : "لن ينجوا أحد ... ولكننا في البداية سنساير الجميع بدون استثناء ..ثم نذيقهم كلهم ما ذقناه في الحروب الست".








