اخبار هامة

    جرعة تعاطف من دماء الضحايا

    جرعة تعاطف من دماء الضحايا

    سلمان الحميدي-متابعات

    في تعز، لم تعد العدالة تحتاج قضاة، ولا ملفات، ولا محاضر تحقيق. كل ما يلزمك خيمة مشدودة، ولافتة كبيرة، وميكرفون، وستحصل فورًا على صفة: ممثل الغضب الشعبي.


    إن حدقت الإجراءات التي توقف الصفة ـ ولو مؤقتاً ـ فحاول أن تستردها بجرعة تعاطف تغرفها من دماء الضحايا كلما احتاجت معركتك السياسية إلى وقود!.


    قبل أيام كاشفت الرفيق صلاح أحمد غالب بموضوع معمق أعمل عليه، أستشيره قانونياً بوصفه محام. أما الموضوع فيتعلق بقضايا قتل حدثت في تعز. صرت مثقلاً بتفاصيل العشرات من القضايا والإجراءات التي وصلت إليها. أنا متأكد أن متزعمي "حراك العدالة" لا يعرفون أي تفاصيل عن المظالم التي حضرت في الخيمة المنتصبة في شارع جمال منذ جريمة استهداف افتهان المشهري رحمها الله.


    تحدثت مع أحدهم عن آلية عملهم مع أقارب الضحايا ومساعدتهم للحصول على العدالة، بالكاد ذكر خمس قضايا، جميعها منظورة أمام المحكمة.


    عندما استشرت صديقي المحامي، كنت أنوي أن أقدم مقترحاً لدافعي إيجار الخيام. بحسب أحد المؤجرين، فإن إيجار الخيمة الواحدة في اليوم يتراوح بين 250 ألف و400 ألف.


    وبناء عليه، فإن المقترح الممكن دراسته إن كان هناك جدية في مساعدة المظلومين، هو هذا: بنصف المبلغ المدفوع لمؤجري الخيام على مدى ثلاثة أشهر، يمكن تشكيل فريق قانوني، مهمته مساعدة أقارب الضحايا المطحونيين، تحريك قضاياهم في أروقة العدالة.


    هناك أناس يحملون مظالم موجعة وأحوالهم المادية في الحضيض، لا يعرفون الطريق إلى المحاكم، ربما لا يعرفون المحاكم حتى، ولا معنى إجراءات العدالة!.


    هل تعرفون المرأة العجوز التي قُتل أبناؤها، وفر القتلة إلى خارج البلاد؟ لا تعرف إلى أين تذهب وليس معها إلا الله كما تقول. هل تعرفون أسرة القتيل الذي غدر به القاتل على "جونية نيس"؟ ما زالت الأسرة ترى القاتل أمامها، وقد نزلت إلى الخيمة المشدودة وسط الشارع، لتناشد في الأسابيع الأولى شخص يدعى "رامز" بالتضامن معها. لمَ لا تشكلون فريقاً قانونياً وتوفرون الدعم اللازم للفريق لمتابعة مثل هذه القضايا لدى الجهات المختصة، وتقديم الإحاطات لوسائل الإعلام أولاً بأول كل فترة وأخرى مثلاً.


    هذا ما يُفرح الشهيدة افتهان المشهري في قبرها: إنصاف المساكين. لا تحويل قضيتها الإنسانية والقانونية العادلة، إلى ورقة أخلاقية، يجري الاستعانة بها كلما احتاج -المستغلون- جرعة تعاطف، كما بدا جلياً عقب التفجير الذي استهدف ـ صراحةً ـ مقر حزب الإصلاح القريب من الخيمة.


    من حيث المبدأ: تفجير المدنيين جريمة، أياً كان موقعها وأياً كان ضحاياها، ولا يملك حزب الإصلاح -ولا غيره- صكّ براءة لمن ارتكبها، كما لا يملك أحد حق توظيفها لتثبيت روايته التي قد تكون كُتبت قبل التفجير، أو بعده بناء على الأهواء وانتصاراً للرغبات والنوايا دون مراعاة للتحقيقات الرسمية أو أي مسار استقصائي مهني.


    في التُربة، وعقب الجريمة التي أسفرت عن مقتل المحامي النجاشي، خرجت الجماهير للمطالبة بالعدالة. حاول المستثمرون تحويل الجريمة الجنائية إلى فرصة للنضال السياسي الرخيص مقايضة بالدم الغالي.


    بعد أيام، حذّرت الأجهزة الأمنية من مخططات خطيرة قد تستهدف التجمهر السلمي المكفول بالدستور. فكك الأمن دراجة نارية مفخخة و3 عبوات ناسفة زرعت عند المنفذين الشمالي والشرقي للمدينة.


    جرى القبض على عدد من عناصر الخلايا المكلفين باختراق المظاهرة الاحتجاجية وتنفيذ المخطط، وفق اعترافات المقبوض عليهم بحسب بيان أمني، فإنهم كانوا يخططون لاقتحام شرطة الشمايتين والمجمع الحكومي، بهدف إرباك المؤسسات الأمنية والإدارية، بالتزامن مع اقتحام سجن الشبكة لتمكين السجناء والموقوفين من الفرار.


    لم تُثن الإجراءات الأمنية، المتربحين، عن تجييش الرأي العام. في الواقع كانت العدالة المكتوبة بدماء الضحايا، عنواناً أخلاقياً لتوجيه حملات منزوعة القيم، حملات تحريض وتخوين وترهيب، حملات تتجاوز الكراهية السياسية وتفتح الباب للتناحر الاجتماعي وإلغاء الآخر.


    وفقاً لما نشره نشطاء في مواقع التواصل، فإن والد الضحية وبعد إحدى المسيرات قال والد الضحية فيما معناه: لا تتذرعوا بدم ابني.. أنا سأتابع إجراءات العدالة.. رفعتم 80 لافتة سياسية، ولا واحدة منها أشارت لدم ابني بإنصاف.


    انخفضت نبرة الخطاب المشحون تدريجياً، لكنها لم تختف، ما زال بعض الأفراد يسيرون على ذات النهج التعبوي المخيف. الخطاب المتباين، بدا أكثر حدةً، عقب الجريمة الإرهابية التي استهدفت مقر حزب الإصلاح وأسفرت عن استشهاد ثلاثة مدنيين بينهم اثنين من قيادات الحزب وطفل، إضافة إلى إصابة 10 آخرين أغلبهم من طلاب المدارس.


    من الطبيعي، عقب أحداث مثل هذه، أن تكون الإجراءات الأمنية في موقع الانفجار متروكة للأجهزة المعنية وتقديراتها، لا انسياقاً مع سياسة الحزب/ الضحية الذي استهدفته الجريمة، ولا معارضةً لمطالب الخيمة التي تنادي بالعدالة، إذ لا شك بأن الأجهزة الأمنية والعسكرية وكذا السلطة المحلية -أيًا كان توصيفها السياسي- ستكون أول من يُسأل إن تكرر التفجير، أو سقط ضحايا جدد، أو ثبت لاحقًا أن الإهمال الأمني هو السبب.


    ما يقدمه بعض المعارضين لتفكيك الخيمة، حجتهم صائبة: صوناً لحق أساسي من حقوق الإنسان: التجمهر السلمي. وما يقدمه المؤيدون، حجتهم أصوب: حفاظاً على حق الحياة، في ظل أوضاع خطيرة تمر بها تعز.


    وبين الفريقين، من يستثمر بصورة فجة في الألم، بتحويل جريمة إرهابية مدانة إلى أداة تصفية سياسية، إلى درجة اتهام الضحية!.


    يمن شباب نت

    قد يعجبك ايضا!