اخبار هامة

    جنيف.. منظمة حقوقية تطالب بتحقيق شفاف في جريمة استهداف مقر الإصلاح في تعز

    جنيف.. منظمة حقوقية تطالب بتحقيق شفاف في جريمة استهداف مقر الإصلاح في تعز

    اب بوست-متابعات

    قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن الانفجار الذي وقع في محيط المكتب الرئيسي للتجمع اليمني للإصلاح في مديرية المظفر بمحافظة تعز يمثل انتهاكا خطيرا للحق في الحياة ولحماية المدنيين، ويثير مخاوف جدية بشأن تصاعد استخدام وسائل تفجير مموّهة في مناطق مأهولة بالسكان، بما يضاعف من المخاطر على المدنيين ويقوّض الحد الأدنى من الضمانات القانونية الواجبة في سياق النزاع.


    وأكدت المنظمة أن استهداف محيط مقر سياسي مدني، في منطقة تشهد حركة كثيفة للمواطنين وطلاب المدارس، باستخدام عبوة ناسفة مموّهة داخل مواد ذات طابع مدني، يشكل سلوكًا محظورًا بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، ويستدعي تحقيقًا مستقلًا وفعالًا يراعي معايير النزاهة والشفافية والمساءلة.


    وأوضحت منظمة سام أن فريقها المختص راجع إفادات متطابقة لحارس المقر وشهود عيان ومصابين، إضافة إلى بيانات رسمية صادرة عن غرفة عمليات الصحة بمحافظة تعز، وأن هذه المصادر تسمح بإعادة بناء تسلسل زمني واضح للواقعة. وتشير المعطيات إلى وصول شخص يقود دراجة نارية وبرفقته طفل إلى محيط الموقع، وإنزالهما كراتين تحتوي ظاهريًا على مكونات منظومة طاقة شمسية، شملت بطارية ولوحًا شمسيًا وأدوات تنظيم كهربائي.


    وأضافت عند رفض إدخال هذه المواد إلى داخل المقر لغياب أي إشعار مسبق أو تحديد لجهة الاستلام، وُضعت الكراتين أمام المدخل، وتُرك الطفل بالقرب منها، قبل وقوع الانفجار بدقائق. وتفيد المعلومات التي راجعها الفريق بأن العبوة الناسفة كانت معدّة للإدخال إلى داخل المقر، وأن إحباط إدخالها حال دون وقوع خسائر بشرية أوسع. كما تشير المعطيات إلى أن الموقع المستهدف كان يُستخدم لأغراض سياسية مدنية، ولم تُسجّل أي مؤشرات على وجود هدف عسكري مشروع في محيطه وقت الحادث.


    وثّق فريق المنظمة شهادات تفصيلية أُخذت في محاضر مستقلة خلال الفترة اللاحقة مباشرة للحادث، دون تواصل بين الشهود، وتمت مطابقتها مع البيانات الطبية الرسمية والتسلسل الزمني للواقعة.


    أفاد حارس مقر الإصلاح بأنه كان متواجدًا قرب مدخل المقر عندما وصل شخص يقود دراجة نارية من جهة شارع جمال وبرفقته طفل يُقدَّر عمره بنحو 10–11 سنوات. وذكر أن الدراجة كانت محمّلة بلوح طاقة شمسية وبطارية ومنظّم ومحوّل كهربائي، وأن الشخص ادّعى أن المواد “رسالة” موجّهة إلى داخل المقر. وأكد الحارس أنه رفض إدخالها لعدم وجود أي إشعار إداري أو تحديد للمستلم، وطلب من الشخص إعادتها أو التواصل مع الجهة المرسلة. وبحسب إفادته، أجرى الشخص اتصالًا هاتفيًا في المكان، ثم وضع الكراتين أمام المدخل وترك الطفل جالسًا بجانبها، قبل أن يبتعد مسافة قصيرة. وبعد دقائق قليلة، وأثناء تحرك الحارس باتجاه بوابة المقر، وقع انفجار عنيف أدى إلى إصابته وفقدانه الوعي، في وقت كان الشارع يشهد ازدحامًا كثيفًا بالمدنيين وطلاب المدارس.


    أفاد شاهد عيان يدعي " وافي" للمنظمة بأنه شاهد شخصًا وصل إلى محيط مقر التجمع اليمني للإصلاح على متن دراجة نارية لونها عنابي تقريبًا، وبرفقته طفل يُقدَّر عمره بنحو 11 عامًا، تبيّن لاحقًا أنه ابنه. ووفق الإفادة، بدا الرجل في العقد الرابع من العمر تقريبًا، ممتلئ الجسد، ويرتدي قميصًا أبيض ومعوزًا، وكانت الدراجة محمّلة بكراتين تحتوي على مستلزمات منظومة كهربائية بدت ظاهريًا كمكونات طاقة شمسية، شملت بطارية ومكثفًا ومحوّلًا كهربائيًا.


    وذكر الشاهد أن سلوك الرجل اتسم بالاستعجال والارتباك، حيث كان يُجري اتصالات هاتفية متكررة أثناء تواجده في المكان مع شخص قال إنه أرسله إلى الموقع. وبحسب ما أفاد به الرجل، فإن من أرسله طلب منه إدخال هذه المواد إلى مدخل مقر الإصلاح عند الدرج، على أن يخرج شخص من العمارة المقابلة لاستلامها. وأوضح الشاهد أنه واجه الرجل ونبّهه إلى أن المكان ليس سكنيًا ولا توجد تعليمات أو جهة واضحة لاستلام المواد، وطلب منه عدم إدخالها حتى يحضر الشخص المعني بالاستلام.


    وأشار الشاهد إلى أن هذا التنبيه أثار تردد الرجل وقلقه، حيث صرّح له بأن كلامه "أقلقه"، قبل أن يُقدم على فتح الكراتين أمامه عن طريق تمزيق الأشرطة اللاصقة. واطّلع الشاهد والرجل معا على محتويات الكراتين، التي بدت من الخارج عادية، ولم تظهر أي مؤشرات تدل على وجود مواد متفجرة أو تغييرات غير طبيعية، كما لم يكن من الممكن ملاحظة أن البطارية مفخخة من الداخل أو أن محتوياتها قد استُبدلت. وبعد ذلك، أعاد الرجل إغلاق الكراتين ووضعها في مكانها.


    وأضاف الشاهد أن الرجل واصل محاولات الاتصال بالطرف الذي أرسله، إلا أن الأخير كان يُغلق الهاتف في بعض الأحيان، ما زاد من حالة التوتر والانفعال لديه، قبل أن يمشي قليلا من المكان وهو في حالة غضب كأنه يبحث عن تغطية شبكة. وذكر الشاهد أنه غادر الموقع هو الآخر بعد ذلك بقليل مع احد الأشخاص ، إلا أنه سمع بعد فترة وجيزة دوي انفجار قوي من  الموتور الذي كان واقفا عند المقر . وعند عودته إلى الموقع عقب الانفجار، شاهد أشلاء وضحايا في المكان، وأفاد بإصابة صاحب منشأة تجارية قريبة، إضافة إلى سقوط ضحايا من المدنيين، من بينهم طفل وامرأة وطالبة.


    فيما أفاد عبد الجليل مقبل عبد الله سعيد أحد المصابين بالهجوم، بأنه وصل يوم 20 ديسمبر إلى محيط المقر قبل الانفجار بدقائق، وأُصيب بشظايا متعددة أثناء محاولته إسعاف أحد الجرحى عقب الانفجار، مؤكدًا أن الموقع كان مكتظًا بالمواطنين وقت الحادث، وأن الإصابات طالت أشخاصًا كانوا على مسافات متفاوتة من مركز الانفجار.


    وترى منظمة سام أن التطابق الجوهري بين هذه الإفادات، لا سيما فيما يتعلق بطبيعة التمويه، ورفض إدخال المواد، وترك طفل في محيط العبوة، والفاصل الزمني القصير بين مغادرة الشخص ووقوع الانفجار، يشكّل قرائن قوية على أن الواقعة كانت سلوكًا منظمًا ذا قصد جنائي.


    راجعت منظمة سام البلاغ النهائي الصادر عن غرفة عمليات مكتب الصحة بمحافظة تعز، والذي وثّق الأثر البشري المباشر للانفجار استنادًا إلى سجلات الإحالة الطبية وتقارير المستشفيات المستقبِلة.


    وبحسب البلاغ مكتب لصحة بمدينة نعز، أسفر الانفجار عن إصابة 13 شخصًا، من بينهم 3 وفيات، وقد جرى نقل المصابين إلى مستشفيي الثورة والروضة. وأظهرت البيانات الطبية أن الضحايا شملوا مدنيين من فئات عمرية مختلفة، بينهم رجال ونساء وأطفال، وأن طبيعة الإصابات تمثلت في شظايا متعددة في أجزاء متفرقة من الجسم، إضافة إلى إصابات قاتلة ناجمة عن قوة الانفجار.


    وترى المنظمة أن توزيع الإصابات على مسافات متفاوتة من موقع الانفجار، وتنوّع الفئات العمرية للضحايا، ووجود إصابات قاتلة بين مدنيين لا صلة لهم بالمقر المستهدف، يشكّل قرينة طبية قوية على أن الانفجار وقع في محيط مدني مفتوح.


    أفاد مصدر في التجمع اليمني للإصلاح في تصريح لمنظمة سام “أن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن الهدف من الفعل الإرهابي كان إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا في صفوف قياداته وأعضائه، إضافة إلى المدنيين المتواجدين في محيط المقر وقت الحادث. وأوضح الحزب أن حجم الخسائر كان مرشحًا لأن يكون أكبر بكثير لو تمكّن منفذو الهجوم من إدخال العبوة الناسفة – التي جرى تمويهها داخل بطارية ولوح طاقة شمسية – إلى داخل المقر.


    وبحسب الإفادة، فإن إحباط إدخال العبوة حال دون وقوع كارثة أوسع، غير أن تفجيرها عند بوابة المقر أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص، بينهم اثنان من قيادات الحزب، وإصابة أحد عشر شخصًا آخرين، من بينهم أحد قياداته وعدد من المدنيين، بينهم أطفال كل ذلك سياق محاولات زعزعة الاستقرار والإضرار بالحياة السياسية والسكينة العامة في محافظة تعز، لافتًا إلى تعرضه والمحافظة خلال فترات سابقة لحملات تحريض ممنهجة ومتكررة. واعتبر أن الإدانات المجتمعية الواسعة للهجوم والتضامن مع الضحايا تعكس رفضًا شعبيًا، للعنف وتؤكد الطابع المدني للمحافظة.


    تعددت ردود الفعل السياسية حول الحادث، حيث دانت العديد من الأحزاب والمنظمات السياسية الهجوم بشدة، مؤكدين على رفضهم لاستهداف المنشآت المدنية مهما كانت المبررات. وفي إطار هذا، أعربت بعض القوى السياسية عن قلقها من تزايد الهجمات التي تستهدف المكونات المدنية في تعز، مشددين على ضرورة إجراء تحقيق شامل لمعرفة المسؤولين عن هذا الهجوم ومنع الإفلات من العقاب. كما اعتبرت بعض القوى أن الحادث يُظهر تدهورًا في الوضع الأمني في المنطقة، وأنه يجب اتخاذ إجراءات سريعة للحد من هذه الهجمات والحد من مخاطرها على حياة المدنيين.


    وترى منظمة سام أن نمط التنفيذ، واستخدام التمويه داخل مواد مدنية، ووقوع الانفجار في منطقة مأهولة، ووجود ضحايا من المدنيين، بمن فيهم طفل، تشكل مجتمعة قرائن قوية على وقوع هجوم غير تمييزي، وقد يرقى إلى جريمة جسيمة في حال ثبوت القصد الجنائي واستهداف المدنيين أو قبول تعريضهم لخطر مفرط، وتحذر من أن أي محاولات لاحقة للتضليل أو تحميل المسؤولية للضحايا أنفسهم تمثل انتهاكًا إضافيًا للحق في الحقيقة، وقد تعيق واجب الدولة في إجراء تحقيق فعال وفق المعايير الدولية.


    تفيد المعلومات التي راجعتها منظمة سام للحقوق والحريات بأن التجمع اليمني للإصلاح كان موضوعا لنقاشات عامة متزايدة على منصات التواصل الاجتماعي خلال فترة سابقة على استهداف مقره، وذلك في أعقاب حادثة اغتيال أفتهان المشهري. ووفقا لما تم رصده، تضمّنت بعض هذه النقاشات خطابات اتهامية وتحريضية صدرت بعضها عن ناشطين، جرى تداولها دون الاستناد إلى نتائج تحقيق رسمية منشورة في حينه.


    وتشير المنظمة إلى أن استمرار تداول هذا الخطاب أو إعادة إنتاجه عقب استهداف مقر الحزب، وبصورة لا تستند إلى معطيات مثبتة، قد يؤثر على البيئة العامة المحيطة بالحادث، لا سيما من حيث تشكيل الرأي العام خلال مرحلة التحقيق. ولا تخلص المنظمة في هذا السياق إلى وجود علاقة سببية مباشرة بين هذا الخطاب والواقعة محل التحقيق، وإنما تورد هذه المعطيات في إطار توصيف السياق العام المصاحب للحادث، مع التأكيد على ضرورة الاعتماد الحصري على نتائج تحقيقات مستقلة قائمة على الأدلة.


    وفي ضوء الوقائع الموثقة، بما في ذلك طبيعة الموقع المستهدف، وطريقة تنفيذ الهجوم، والوسيلة المستخدمة، والنتائج البشرية المترتبة عليه، ترى منظمة سام للحقوق والحريات أن الهجوم يثير مخاوف جدية بشأن احترام مبدأي التمييز والتناسب المنصوص عليهما في القانون الدولي الإنساني. إذ إن استخدام عبوة ناسفة مموّهة داخل مواد ذات طابع مدني، ووضعها في محيط مقر سياسي مدني يقع في منطقة مأهولة بالسكان، لا يمكن اعتباره وسيلة قابلة للتوجيه نحو هدف عسكري مشروع، ولا يسمح بطبيعته بحصر أو تقليل الضرر اللاحق بالمدنيين. كما أن وقوع قتلى وجرحى من المدنيين، بمن فيهم أطفال، وفي محيط لا تظهر المعطيات المتوفرة استخدامه لأغراض عسكرية، يعزز من الاستنتاج بأن الهجوم انطوى على خطر متوقع ومفرط على السكان المدنيين. وتخلص المنظمة إلى أن هذه العناصر مجتمعة تشير إلى انتهاك للالتزامات الأساسية المتعلقة بحماية المدنيين، وتستوجب إجراء تحقيق فعّال ومستقل لتحديد المسؤوليات القانونية المترتبة ومنع الإفلات من العقاب.


    وتطالب منظمة سام للحقوق والحريات السلطات اليمنية المختصة باتخاذ تدابير عاجلة لضمان إجراء تحقيق مستقل وفعّال ونزيه في واقعة الانفجار، يتوافق مع المعايير الدولية ذات الصلة، ويشمل تحديد جميع المسؤولين المحتملين، سواء من حيث التنفيذ أو التخطيط، دون استثناء أو انتقائية. كما تشدد المنظمة على ضرورة ضمان حماية الشهود والمصابين وأسر الضحايا، والحفاظ على الأدلة المادية والفنية ذات الصلة، بما في ذلك نتائج الفحوصات الجنائية والتقارير الطبية، ومنع أي تدخل سياسي أو أمني من شأنه التأثير على مسار العدالة.


    وتؤكد المنظمة على التزام السلطات بضمان المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، وجبر ضرر الضحايا وفقا للمعايير المعترف بها دوليا، بما يشمل الحق في الحقيقة والإنصاف والتعويض المناسب. كما تدعو إلى ضبط الخطاب العام ومنع التحريض أو تداول اتهامات غير مستندة إلى نتائج تحقيق رسمية، بما يحفظ قرينة البراءة ويصون السلم المجتمعي خلال سير التحقيقات.

     

    قد يعجبك ايضا!