سلمان الحميدي-خاص
مع أني أذهب لمؤسسة الصرافة لاستلام الحوالة، قبل أن يصل المرسل، إلا أن الظروف خلقت آمالاً بحوالة منسية، فقمت بالبحث عن كشوفات الحوالات غير المستلمة من 2019 التي جرى نشرها مؤخراً، وبدأت بالبحث عن اسمي، وكانت مفاجأة من العيار الثقيل: من بين آلاف الأسماء وآلاف الحوالات، وآلاف الملايين، لم أجد اسمي حتى بصيغته الخاطئة، لا حوالة، ولا حتى ألف ريال..
جربت أسماء أصحابي، وللأسف خاب ظني..
بدأت أطلع على الأسماء، وأرقام المبالغ المرتفعة، تواصلت مع اسم كان مرفقا إلى جواره رقم الهاتف، أبلغته عن حوالته؛ فشكرني، وقال بأن آخر قد أبلغه عنها. في اليوم التالي، تواصلت مع شخص لديه حوالة قديمة بخمسة آلاف سعودي، كنت أتأكد من حقيقة الكشوفات، شكرني الرجل أيضاً، قال بأنه ذهب إلى مؤسسة الصرافة قبل أيام قليلة وأخرجها.
الجميع يتعرف على أصحاب الحوالات الكبيرة.. الطموح لا يتوقف بمكافأة على البشارة أو الحظوة بصحبة غني ينسى مبلغاً ضخما في مؤسسة الصرافة لأكثر من ثلاثة أعوام. عليّ النظر إلى الأسماء من زاوية الصحافة فالمبالغ الكبيرة للآخرين ستصل لأصحابها بطريقة ما.
ما خلف بعض الأسماء التي يتكرر أسماء من يرسلون إليها بحوالات؟ أوه يمكن التوصل إلى كيانات وأشخاص يقومون بأعمال الخير في الحرب لا يريدون أن يعرفهم أحد، وهناك أشخاص يدعمون أعمال شر بطريقة ما، تفضحهم الكشوفات إن اقتفى أثرها ذكي، وتقصى تفاصيلها لبيب!.
تركت كل الهواجس الصحفية عن حوالات التجار، عن شبهة الأسماء والكيانات، وعن احتمال صاحبي: غسيل أموال..
انتبهت لآلاف الحوالات الصغيرة، للأسماء خلفها، هؤلاء الذين هم بأمس الحاجة للريال، لماذا لم يستلموا حوالاتهم؟ ما هي تفاصيلهم الآن؟ الذين وصلتهم أرقام الحوالات ولكنهم عادوا من مؤسسات الصرافة خائبين.
وتبين لي أن متضررين كثر، يبدو أنهم حُرموا من حوالاتهم بسبب أخطاء طفيفة في أسمائهم، يظهر الآتي:
ـ أخطاء بسبب حرف لم يُكتب بصورة سليمة، وخاصة الذين تنتهي أسماؤهم بحرف الهاء، عبده يصير عبدة، وأحياناً عبدهـ، جميلة مكتوبة جميله، وحين يذهب مثل هؤلاء إلى الصرافين، ينظر العامل إلى البطاقة ويرفض الصرف بسبب النقطتين، خطأ في الاسم، ياللعذر. يعود المسكين إلى منزله، يخجل من التواصل مع المرسل أو يموت كمداً في الطريق.
ـ أخطاء بسبب حرف المد وإشكالية الهمزة. اسم «سبأ» على سبيل المثال يصير «سباء» مروى: مروة مروه والعكس، سماء: سما، سمى، رؤوف: رووف رئوف، قائد قايد، وعلى هذا القياس، مثل هؤلاء يقعون في مشكلة عند استلام الحوالات أيضاً.
ـ بعض الأسماء، تتضرر عند الحوالات بزيادة حرف، مثلاً: يتحول «زيد» إلى «زياد» وأنا المسمى «سلمان» لماذا يناديني البعض «سليمان»؟.
ـ أسماء تتضرر بنقص حرف، ومن اطلاعي على كشوفات الحوالات غير المستلمة، استغربت من نقص غير طبيعي في كتابة اسم "إبراهيم" بلا همزة الابتداء، إذ وجدته مكتوبًا هكذا "براهيم"، شهرة كتابة الاسم بالإمكان أن تجعل أمياً يكتبه بالشكل الصحيح، فكيف سقط الحرف من عمال الصرافة.
ـ الأسماء، التي تخرج أحرفها من مخرج صوتي واحد مع أحرف أخرى، مثلاً: الصراف يكتب اسم عبدالباسط، هكذا: عبدالباصط..
ـ ليس في اسم المستلم أي خطأ، لا املائي بحرف الهاء والتاء المربوطة، ولا المد، ولا زيادة حرف أو نقص آخر، مشكلة بعض الأسماء المركبة تكمن في مسافة بيضاء صغيرة، مثلاً: عبدالرحمن، يكتب: عبد الرحمن، تظهر عبد مفصول عن الرحمن.
ـ هناك أسماء حولوا لأنفسهم، المستلم هو ذاته المرسل، وهذا إما يكون مسافراً أو سينتقل من مكان لآخر، ما الذي منعه من استلام الحوالة؟ التوقع الأقسى أنه ربما مات في الطريق، بوسائل الموت الكثيرة المتوفرة في سنوات الحرب، وربما يكون من المختطفين، وربما يكون عامل الصرافة قد أخطأ بكتابة الاسم أيضاً.
ـ الرجال الذين أرسلوا حوالات لنساء، حسب ما تظهره الكشوفات، ولم يستلمن الحوالات، قد تكون النساء زوجاتهم، وربما قد أثرت الحوالة على أساس العائلة، وانتهى الزواج.
ـ الحوالات الصغيرة، لأناس بسطاء عاديين، لم يلحوا على المرسل بإرسال سند الحوالة، ولم يتمكنوا من توفير حق الطريق للوصول إلى مؤسسات الصرافة مرة أخرى..
ـ آباء أرسلوا لأبنائهم، وأبناء أرسلوا لآبائهم.. وأقارب أرسلوا لأهاليهم، ومع ذلك لم تُستلم الحوالات، هذا قد يلخص حالة الجفاء وهجران العلاقة، العقوق، القسوة، المشاغل، وعدم التواصل مع بعض..
ـ هناك حوالات، رُسمت لها مسارات محدد في أذهان المستلمين، رغم ضآلتها: كيس طحين، قطمة سكر، الخروج من أزمة ضيقة، رسم بسمة على وجه طفل، رعاية امرأة حامل في الشهر التاسع، يفقد المستلم أمله بالحياة عند انصدامه بمؤسسة الصرافة فتسود في وجهه الدنيا..
ـ هناك حوالات، لو أنها وصلت ربما كانت سبباً لبقاء إنسان على قيد الحياة، ولكن المرسل لم يتأكد من وصول سند الإرسال إلى المستلم المصاب بمرض قلب.
ـ هناك حوالات كان غرضها قضاء دين، الوفاء بعهد، إنهاء مشكلة، اختفائها من حواسيب الصرافة بسبب خطأ بسيط، يمكن أن يكون قد تسبب بمشكلة أودت إلى القتل بين متخاصمين!.
التخمينات لا تنتهي، ولا يمكن التعامل مع الحوالات غير المستلمة على أنها حوالات غير مستلمة فقط!. تفاصيل ومشاكل لن تُعالج بمجرد استلام الحوالة التي تأخرت ما يقارب من ثلاث سنوات!.
يمن شباب نت