اب بوست-خاص
اندلعت الحرب في اليمن، ولجأ عشرات الآلاف من المدنيين إلى مدينة إب باعتبارها مدينة سلام وأمان، وبتظافر جهود شعبية ومبادرات شبابية، احتضنت إب كل النازحين إليها بكل ترحاب وفرشت لهم قلبها الكبير دونما سؤال من أين أو لماذا؟.
هذا ما يعرفه الجميع، لكن ما يخفى على الكثيرين أن إب ذاتها تحولت مع مرور السنين إلى مدينة طاردة للسكان ومنشأ لعمليات نزوح كبيرة تعود غالبيتها لمخاوف أمنية بفعل الانتهاكات الحوثية المتصاعدة، وأسباب اقتصادية تتعلق بارتفاع الأسعار وانقطاع المرتبات وغياب فرص العمل.
تقارير أممية أشارت إلى نشوء موجات نزوح من محافظة إب خلال العام 2022م رغم عدم وجود جبهات قتال في المحافظة وفي بعض أشهر العام كانت من أكثر المحافظات نزوحاً، وهو مؤشر عن وضع قاتم تشهده المحافظة الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية.
الحوثي سبب رئيسي
رئيس منظمة رصد للحقوق والحريات، عرفات حمران، يرى أن الانتهاكات الحوثية التي تُرتكب على مدى طوال العام في عموم مديريات المحافظة سبب رئيسي وراء فرار المدنيين والبحث عن فرص عيش آمنة في محافظات أخرى.
وقال لـ "إب بوست"، إن المواطن بفطرته يرفض الظلم والامتهان وهو ما يُفسر نشوء بؤر نزوح من المحافظة مع ازدياد الانتهاكات التي ترتكبها المليشيا على نطاق واسع في المحافظة.
وذكّر "حمران" بالانتهاكات التي طالت المدنيين خلال العام الماضي، حيث وثقت المنظمة التي يرأسها 6296 جريمة وانتهاك وقعت في مختلف مديريات المحافظة، خلال العام الماضي، وتنوعت بين القتل والإصابة والاختطاف والنهب والاقتحام والسطو على الممتلكات العامة والخاصة وغيرها من الجرائم التي لا تتوقف.
وأشار رئيس منظمة "رصد" إلى اختطاف المليشيا (1216) مدنيا خلال 2022م بينهم 487 مختطفاً من الأمناء الشرعيين بالمحافظة، لافتا إلى أن الكثير من أسر أولئك يمكن أن يلجؤوا للنزوح فراراً من البطش والملاحقة كما هو متعارف عليه في مثل هذه الحالات.
ويضيف: "لاتوجد إحصاءات دقيقة عن الفئات والشرائح التي نزحت من المحافظة غير أن الابتزاز المالي الذي تعرض له كثير من التجار ورجال الأعمال، والملاحقات التي طالت الأمناء الشرعيين والناشطين، وعمليات التجنيد القسرية للشباب والأطفال قد تكون دافع آخر للنزوح".
وحذّر "حمران" من استمرار الصمت الدولي إزاء الجرائم الحوثية بحق المدنيين في المحافظة، داعياً الناشطين ومنظمات المجتمع المدني والإعلاميين إلى تبني قضايا المجتمع وإيصال معاناتهم إلى كل المحافل الدولية.
الوضع الاقتصادي
"الوضع المعيشي في إب سيء جداً والمعيشة صعبة ومن يوم لآخر تزداد الأمور سوءاً" هكذا يقول (أ.م) وهو أحد التربويين الذين غادروا إب قبل ثلاثة أشهر، بعد سنين من المعاناة في مسقط رأسه.
يضيف في حديث مع "إب بوست": "كنت في إحدى مديريات إب طوال سنوات الحرب، تحملت كل العذابات من أجل أن أبقى بجوار أسرتي وفي منزلي.. قاسيت الآلام والفقر والعوز حتى انقطع الأمل من وجود حل".
وتابع: "أديت واجبي كمعلم في إحدى مدارس المديرية من دون راتب، واعتمدت لفترة على ما يُقدم لنا من اشتراكات الطلاب؛ لكن ذلك لم يكن كافياً مع تردي الوضع الاقتصادي".
ويستطرد (أ. م) في حديثه: "اشتغلت في أعمال لم أكن أفكر يوماً العمل فيها.. في بيع القات، والبناء، والحِمالة، وبيع الماء في الشارع، لكن ذلك كله لم يجدي مع ارتفاع تكاليف المعيشة وأسعار المواد الغذائية فكان خيار النزوح الحل الوحيد".
وبعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر على نزوحه، أكد أنه اليوم بات في حال أحسن بعد أن التحق بالتدريس وعاد لاستلام راتبه على كشف النازحين، فضلاً أنه يعمل في عمل إضافي.
ووجه (م. أ) عبر "إب بوست" الدعوة لكل من يستطيع مغادرة إب من رفاقه ألا يتأخر؛ كون ذلك هو الخيار الأنسب في ظل انعدام فرص صرف المرتبات وتحسن الظروف الأمنية والمعيشية، حد تعبيره.
وختم بالقول: والله إن إب أفضل البقاع إلى قلبي ولولا أني خرجت منها مكرها لما فعلت، مؤكدا بأن العودة إلى المحافظة، حق مكفول وسيأتي اليوم الذي نعود إليها مرفوعي الرأس.
البحث عن وطن بديل
الناشط الحقوقي والإعلامي "أحمد هزاع"ـ نازح في تعز ـ يرى بأن محافظة إب لم تعد مدينة للعيش رغم جمالها وطبيعتها الخلابة.
ويقول إن الانتهاكات الحوثية والجرائم اليومية وارتقاع الإيجار والرسوم الدراسية وتكاليف المعيشة مع شحة موارد الدخل، تجعل المواطن يفكر جدياً بالنزوح.
ويضيف في حديث لـ "إب بوست"، محافظة إب من أكثر المحافظات اليمنية التي ينحدر منها المغتربون، وبالتالي فإن كثير من هؤلاء المغتربين وخاصة المتواجدين في أمريكا، يهتمون كثيراً بأمان واستقرار أسرهم ولذا فإنهم يبحثون عن محافظات أكثر أمانا.
ويتابع: "ابتزاز الحوثيين لهؤلاء المغتربين وتهديدهم بأسرهم وأبنائهم وعمليات التجنيد الإجبارية التي تطال فئات الشباب؛ فضلاً عن تراجع أسعار الصرف وارتفاع الأسعار، جميعها عوامل تساعد رب الأسرة المغترب إلى اتخاذ قرار ترحيل أسرته من إب".
وعن تجربته الشخصية، يؤكد "هزاع" بأنه لم يكن يرغب أبدأ بترك إب؛ لكنه ونتيجة وللانتهاكات التي تعرض لها من قبل المليشيا واستمرار التهديدات التي تلقاها بعد خروجه من المعتقل، دفعته للنزوح.
ويضيف:" بيئة عملي كإعلامي وناشط حقوقي لن تكون متاحة في ظل مليشيا قمعية، فكان لابد من اتخاذ قرار المغادرة وخدمة قضايا المحافظة وتبني هموم أبنائها من خارجها".
ويخلص إلى أن البلدة أو المدينة التي تبات فيها وأنت خائف على نفسك وأهلك ليست مكان للاستقرار حتى وان توفرت فيها كل الإمكانات وهذا حال إب التي تحتلها المليشيا الحوثية للأسف.