اب بوست-خاص
حصدت الطالبة "منار سلطان" من طالبات مدرسة الشهيد الحكيمي بمدينة تعز على المركز الأول في المسابقة العالمية لحفظ القرآن الكريم، التي احتضنتها العاصمة الأردنية عمّان، يوم الأربعاء الماضي، بمشاركة أكثر من 41 دولة.
جاء فوز الطالبة منار بعد أسابيع قليلة من حصول الطالبة "آية المحيا" على المركز الأول عربيًا للموهبة والإبداع في الرياض، وكذا حصول طالبات تعز على المركز الأول في الحسابات الذهنية لمسابقة عالمية بجمهورية مصر، وحصول الطالب "محمد فواز العامر" على المركز الأول في تحدي الالقاء بالرياض كذلك.
هذه بعض النماذج الملهمة لعدد من طلاب وطالبات المدارس في محافظة تعز، والتي حقق طلابها وطالباتها عدد من الجوائز الدولية في غضون الأشهر القليلة الماضية، حيث بلغ عدد الجوائز التي حصدها عدد من أبناء محافظة تعز بنحو 16 جائزة دولية خلال ستة أشهر فقط.
كشفت هذه الجوائز وخاصة لطلاب وطالبات المدارس، عن ملامح الدور البارز والمهم للمدارس في تنمية المواهب، والابداعات، ووضحت الفرق بين مخرجات المؤسسات التعليمية في المحافظات المحررة، ونظيراتها في المحافظات الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي.
مدارس للتنوير وتنمية الإبداعات
مثّلت تلك المدارس بتعز بيئة حاضنة عملت على تقديم الرعاية للطلاب والطالبات الموهوبين، اضافة إلى تعزيز قيم حب الوطن في نفوس الطلاب والطالبات، حيث أظهر ذلك التسابق بين المدارس خلال العام الدراسي الجاري في تقديم نماذج ابداعية خلال فترة طابور الصباح، من خلال المسابقات المتنوعة، وكذا إحياء الأعياد الوطنية بلوحات فنية بديعة.
إن النماذج الإبداعية الملهمة التي قدمها طلاب وطالبات المدارس في تعز المحررة، يعكس دورها التنويري في تنمية المواهب والابداعات، وخلق آفاق من الحرية والابداع، باعتبار المدرسة البيئة الثانية بعد الأسرة التي يقضي فيها الطفل معظم أوقات يومه.
فرغم الحرب والحصار الذي تشهده المدينة منذ ثمان سنوات؛ إلا أن ذلك لم يمنعها من تقديم نماذج ملهمة في شتى المجالات، لتعكس حقيقة الفرق في التعليم ومخرجاته بين المناطق المحررة ومناطق سيطرة مليشيا الحوثي، التي حولت المدارس إلى بيئة للدفع بالطلاب إلى جبهات القتال، وفقا لوزير التعليم السابق الذي قال إن الحوثي يهدد 60% من طلاب المدارس في مناطق سيطرته، من خلال محاولة الدفع بهم إلى الجبهات.
كما فرضت مليشيا الحوثي دليلا إذاعيًا طائفيًا على عدد من المدارس في مناطق سيطرتهم، وفقا لما أعلنه الناطق الرسمي باسم نقابة المعلمين اليمنيين يحي اليناعي، وكذا تنفيذ رحلات لطلاب المدارس إلى جبهات القتال، ناهيك عن مساعيهم الرامية لاستبدال النشيد الوطني بقسم الولاية لزعيم الجماعة في المدارس.
بين ثقافة الموت وعمارة الحياة
إن تلك النماذج التي استعرضنا جزءًا منها آنفًا، تمثل مخرجات مهمة للمؤسسات التعليمية في المحافظات المحررة وتحديدا في محافظة تعز، والتي قدمت نماذج ملهمة للطلاب والطلاب في عدد من التخصصات العلمية، لتثبت بما لا يدع مجالا للشك الفرق بين مدارس تعمل على غرس قيم حب الوطن، والمدارس الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي والتي تعمل على غرس ثقافة الموت في نفوس طلابها.
تُشير المصادر التربوية التي تحدثت لـ"إب وبست"، أن المليشيا الحوثية حولت المدارس في مناطق سيطرتها إلى أماكن لنشر الفعاليات الطائفية التي تلزم المليشيا مدراء ومديرات المدارس الأهلية والخاصة على إقامتها بين كل وقت وأخر، وفرض عقوبات مالية والتهديد بإغلاق المدارس المخالفة لإقامة هذه الفعاليات، التي تحولت إلى أماكن للتعبئة الطائفية والمذهبية وغرس ثقافة الموت بين الطلاب.
ومؤخرا كشفت تقارير صحفية عن محاولة مليشيا الحوثي فرض التجنيد القسري على طلاب المدارس وعمال النظافة، ناهيك عن عمل أنشطة تعمل على تجنيد الأطفال في المدارس سواء عبر الكشافة أو غيرها، ناهيك عن اختطاف عدد من مديرات المدارس لرفضهن إحياء فعاليات طائفية في مدارسهن، ومنع المدارس من إحياء ذكرى ثورات 26 سبتمبر و14 أكتوبر وتجبرها على الاحتفاء بالانقلاب، كما حصل في مجمع السعيد بإب، حين منعت المليشيا الطالبات من اقامة فعالية بمناسبة أعياد الثورتين سبتمبر وأكتوبر المجيدتين.
وبعيدا عن ذلك كله، لقد تحولت المدارس في مناطق سيطرة الحوثي إلى وسيلة للتعبئة المذهبية، والغلو وزرع ثقافة الموت، من خلال إجبار طلاب المدارس على زيارة "مقابر قتلاهم"، وكذا تغيير أسماء المدارس الأهلية والحكومية، ومنع الرحلات وفرض قيودًا تعسفية على المدارس الخاصة، وإرغام المدارس الأهلية على إقامة أنشطة لتمجيد انقلابها، وكذا إلزام طلاب المدارس ترديد شعارها الطائفي في طابور الصباح.
وخلال احتفالات التكريم التي تقيمها المدارس الخاصة في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، أفادت مصادر تربوية بأن مليشيا الحوثي أدخلت فقرات مسرحية تحتوي على مشاهد عنف.
وأوضحت أن قطاع الأنشطة التابعة للحوثيين في مكاتب أجبروا مدارس أهلية على ادراج مشاهد مسرحية وفقرات تحث على القتال وتشجع الأطفال عليه.
وأضافت المصادر أن المليشيا استغلت حفلات التكريم في المدارس مع قرب انتهاء العام، وقامت بكتابة نصوص مسرحيات تحاكي مشاهد الحرب الدائرة في البلاد، ووزعتها على مشرفي الأنشطة في تلك المدارس.
وأشارت إلى أن المشاهد تحتوي على إطلاق رصاص وترديد للصرخة الحوثي، في تحريض واضح لاستقطاب الأطفال إلى فكر المليشيا، والالتحاق بجبهات القتال.
تعليم الحوثي.. نجاح بدون امتحان
لم تكتفِ مليشيا الحوثي بتطييف المدارس وتحويلها إلى ثكنة للتعبئة العسكرية والطائفية، بل توسّع الأمر إلى أن تعلن عن عروض مغرية للطلاب من خلال دعواتهم لحضور دورات قتالية، مقابل النجاح في الشهادات العامة بدون امتحان، كما نادى بذلك القيادي السابق حسن زيد، للدفع بالطلاب نحو جبهات القتال.
ولم يسلم بذلك المعلمين في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، والذين لم يكتفوا بنهب رواتبهم، وإلزامهم بالتدريس دون مقابل، بل فرضت عليهم حضور دورات طائفية، أو التهديد بالفصل من وظائفهم، وكذا إلزام المدارس الأهلية بتخصيص مقاعد مجانية لأبناء قياداتها ومقاتليها.
كما أن الكتاب المدرسي والتعديلات الطائفية التي أدخلتها في المناهج الدراسية كشفت عن قيام المليشيا باستغلال المدارس والمعاهد لتغذية الطائفية والمذهبية في عقول الطلاب والطالبات، وصل بها الحد إلى منع المدارس الأهلية من توزيع المناهج القديمة وإلزامها بفرض تدريس المناهج الجديدة التي استحدثت فيها التعديلات الطائفية التي تمجد قتلاها ورموز انقلابها.
واستمرارا في تحويل مليشيا الحوثي المدارس الى ثكنات طائفية، أجبرت المليشيا طلاب المدارس على كتابة رسائل شكر لمقاتليها في الجبهات، وقيام ما يسمى بـ"الزينبيات" الجهاز الأمني الحوثي النسائي، باقتحام المدارس الحكومية لإلقاء محاضرات طائفية، وكذا إجبار المدارس على عمل وقفات احتجاجية لإدانة مقتل القيادي الحوثي الصماد.
إن تلك الممارسات الطائفية التي تنفذها المليشيا في المدارس الأهلية والخاصة في مناطق سيطرتها، تؤكد الفرق بين التعليم ومخرجاته في مناطق سيطرة المليشيا والمناطق المحررة، وهو ما بدى واضحًا من خلال التألق الكبير الذي حصده جوائزه عدد من الطلاب والطالبات في عدد من المناطق المحررة خلال العام الجاري، فمن يبني ليس كمن يهدم، ومن يحمل رسالة الحياة، ليس كمن يوزع رصاصات الموت.