أحمد خرصان-خاص
تضيق خيارات الحياة - في حدودها الدنيا - ويصبح التشبث بأسوأ الخيارات أشبه ما يكون بمجازفة لا يمكن تجنبها ، حتى وإن كنا ندرك أننا سنخسرها وعلى النحو الذي يفقدنا التوق والقدرة على اقتراف القفز على شرك الإحتمالات التي تقف فاغرة فاها بانتظار تدفق الفرائس العاجزة والفقيرة حد الإستسلام...
وحيدون في مواجهة سياط الأزمنة الرثة ، ومعاول الكرامة التي سلبتنا الكرامة والأدمية وأحالتنا إلى ما يشبه حكايات وأساطير، لا يمكن للأجيال القادمة أن تسلم بما عشناه من دنيا ليس لنا فيها إلا أن نكون ضحايا وضحايا فقط...
تجف جيوب الناس ويزحف الجفاف برعاية مقدسة باتجاه جيوب الميسورين، وبخطى غير مكترثة لغير التمكين والشعور بالإنتصار، والإستئثار بالتخمة في حين يقف قروي أو مواطن بسيط عاجزاً عن مواجهة تضور أبنائهم وهتافات أمعائهم وتأملاتهم المثبتة على فاترينات معارض الملابس ومحلات الأحذية، وأيام أتخمتهم بالشعارات وجردتهم من أبسط حقوقهم وأدميتهم المهدرة....
تذرع الشوارع بحثاً عن ملامح تقيك اليأس والإحباط، فلا تجد (غير نهايات وجنائز راكضة في سريرها الأخير) حد قول الشاعر العربي الكبير قاسم حداد.
لم يعد أمامنا غير الإنتظار لأيام، ستزداد قساوتها ضراوة وسنفقد معها قدرتنا على الشكوى والتأوه, وسنمارس أيامنا بمنطق (إذا لم يكن إلٌا الأسنة مركباً ..... فما حيلة المضطر إلٌا ركوبها) وعلى نحو مبالغ فيه، لم يكتف بالأسنة لينتهي بنا الحال إلى المثول ك (نصع) لكل الشرور التي لا تزال تدفق علينا بكرم وسخاء قاتل، لا يغفل مع كل أنين هنا وتوجع هناك، أن يذكرنا بالله وخيبة الكفرة - عقب محاولاتهم الفاشلة - في أن يجدوا لهم موطئ قدم.
في وطنٍ بات مكتظاً بالقليل من المؤمنين الميسورين والكثير الكثير من شعب، لم يعد يملك غير التأمل والترقب لأكياس المعونة وصدى العاطفة القادم من مهرجانات البر والإحسان، ومواسم البذل والخيرية، كي تمنحنا الشعور الزائف أننا ما زلنا أحياء ... لكن بمقاييس الإيمان والورع الخالص والمتحلل من كل نوازع الركون لدنيا، عاشها الكفرة نعيماً وعشناها موتاً وعوزاً وإنسانية منتقصة....
ها نحن نعاني من تخمة في الكرامة، وفائض عزة، منحتكم السيارات الفارهة والجيوب المتفخة برزم النقود، وصموداً أسطورياً أورثكم شعباً، بات يعيش الجحيم ويمارس أيامه كما لو أنه الطريدة التي تقاسمها الفَتْكُ المدجج بالتمكين والحق الإلهي، وصار عليه فقط أن يتأمل أقداره، وهي تعلقه على جدران الشفقة، كمخدوع وقع أسيراً لوَهْم أن تتخلق في خضم هذه الفوضى فكرة الدولة، وما يرتبط بها من ممارسات وسلوكيات، تضع الشعب في مقام أولوياتها وواجباتها واهتمامها..
هل تمنحكم مشاهد الشحاذين - وأعدادهم المتزايدة - وهي تتجاوز العفة والكرامة، وتحاول - بإراقة ماء وجهها - أن تحافظ وتتشبث بأملها في الظفر بما يبقيها ويهبها الموت الأقل؟ وهل تقرأون مشاهد السخط وملامح الحنق في وجوه العامة.. من أولئك الذين - وأنا منهم - لم يعد يملكون ما يفرق بينهم وبين الشحاذين غير الإحتفاظ بالقليل من القيافة الخادعة؟
يقرع شهر رمضان بوابة اليمنيين، لكنهم يشهرون عجزهم عن مواجهة متطلباته، ويقفون ممتلئين بحسرتهم وحظوظهم السيئة أمام حقبة نظام الرئيس الماضي للترحم عليها، وكأنها العصر الذهبي والمدينة الفاضلة التي كفر اليمنيون بنعمائها، فغادروها كشياطين إلى الجحيم الذي يحكم قبضته في مصائرهم....
رمضان مبارك، حتى لو كان بنكهة العجز.....الفقر... والعشاءات التي ستظل جافة وناشفة من كل أمنية ....أمل.... وحلم بالظفر بحياة ولو في حدودها الدنيا.......
منقول من صفحته على الفيس بوك