اب بوست-خاص
تفوح رائحة رمضان من البيوت اليمنية خلال شهر الصيام، فيما يتمسّك أبناء إب كغيرهم من اليمنيين بعاداتهم الاجتماعية وتقاليدهم التي ما زالت صامدة رغم الحرب، والظروف الاجتماعية الصعبة.
لرمضان في إب نكهته الخاصة، حيث تعيش المدينة أجواءً روحانية فريدة وطقوس مميّزة تختلف بين المديريات والمناطق، والتي يجمعها روحانية الصيام، وكرم الضيافة.
قبيل حلول الشهر الكريم، يقضي أبناء إب أياماً من التحضيرات لاستقباله، فيعمد كثيرون إلى تنظيف المنازل بالكامل ومنهم من يجدّد طلاء الجدران الخارجية والأبواب استبشارًا به.
وخلال شهر رمضان يلاحظ الناس توافد المغتربين بشكل ملفت ومشاركتهم أهلهم أجواء الروحانية الرمضانية لهذا الشهر الكريم وذلك لما تتميز به المحافظة من أجواء رائعة ومناظر خلابة ساحرة وشلالات المياه الطبيعة المنتشرة في كل مكان رسمت المحافظة في أجمل صورة وطبيعة حباها الله بها وميزها عن غيرها.
عادات رمضانية
ثمة عادات رمضانية لدى العائلات اليمنية عمومًا، ومحافظة إب على وجه التحديد، ما زالت راسخة ولم تغيرها الأيام، من قبيل عادة شراء أدوات رمضان، حيث تعمد النساء إلى شراء أوان أو ما يعرف بـ"أدوات المائدة"، الخاصة بشهر رمضان من كؤوس وصحون وغيرها.
كذلك، الإقبال على شراء تحضير مؤونة رمضان، التي قد تختلف نوعا ما عن بقية العام، من بهارات وتوابل، وكل المكونات المطلوبة لتحضير الأطباق المختلفة والحلويات والتي يتميز بها شهر رمضان، وأشهرها السنبوسة، التي تكاد الطبق الذي يرافق معظم العائلات اليمنية، وتكون هي العلامة المميزة لشهر رمضان.
وتزداد المساجد بهجة وزينة خلال أيام رمضان المبارك وتمتلئ بمرتاديها من نساء وأطفال وشباب وشيوخ لأداء صلاة العشاء وصلاة التراويح بشكل جماعي فترى المساجد مكتظة بالناس وذلك لحرصهم على مضاعفة الأجر.
واحة خضراء لإكرام الصائمين
تظل إب، واحة اليمن الخضراء لإكرام الضيوف، وإطعام الصائمين، حيث يتسابق المواطنون على إفطار الصائمين سواء في المنازل أو عبر الإفطارات الجماعية التي يتم تنظيمها في المساجد وفي بعض الأماكن العامة.
كما يتميز أبناء إب بالتسابق على خدمة الناس الذين ليس لهم مساكن من خلال توفير الطعام والشراب، بل ويتسابقون وقت أذان المغرب بسيارتهم على أخذ الناس من داخل المساجد لتناول العشاء في منازلهم.
لقد حافظت اب على هذه السمة، ولم تغيرها ظروف الحرب والدمار التي تشهدها البلاد منذ ثمان سنوات من الحفاظ على هذه العادة التي اشتهرت بها، حتى لا يكاد يوجد محتاجا للطعام في إب خلال رمضان، نظرا لتسابق الناس على فعل الخير وإكرام الضيف، وزيارة الفقراء والمساكين.
بل تعدى الأمر إلى وقوف بعض أبناء المحافظة على الخط الرئيسي الرابط بين المدينة وغيرها من المحافظات، لإيقاف سائقي السيارات وإجبارهم على التوقف لتناول الإفطار والعشاء قبل استكمال سفرهم، حتى وصل الحد إلى إغلاق كثير من المطاعم بالمدينة خلال شهر رمضان، نظرا لتسابق الناس على فعل الخير، وإفطار الصائمين.
عيون مكحلة للرجال
تظل المدن القديمة لها خاصية تميزها عن غيرها من الأماكن، ومنها إب القديمة، التي تشتهر بعادات وطقوس رمضانية يتوارثها الناس عن أسلافهم منذ أمد بعيد، ومن بينها تكحيل العينين للرجال بالإثمد والإقليد في باحات المسجد الكبير في المدينة القديمة، وهو أحد المساجد التاريخية في المدينة.
يبدأ ميقات الكحل عقب صلاة العصر، حيث يصطف مجموعة من الرجال والأطفال أمام مجموعة من الرجال المسنين الذين يجلسون القرفصاء على مقاعدهم الخاصة، وأمامهم "المكحلة" وهي وعاء مزخرف مصنوع من الخشب أو النحاس، يُحفظ فيها الكحل.
ويتمسك أبناء إب كغيرهم من اليمنيين في كثير من المحافظات بكحل العينين لإحياء سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله "نِعم الكحل الإثمد فاكتحلوا به فإنه ينبت الشعر ويقطع الدمعة ويجلو البصر"، ولذا يقطع العشرات مسافة بعيدة للوصول إلى المدينة القديمة حيث يقع الجامع الكبير.
معالم وطقوس رمضانية
في إب، تستعد ربات البيوت طوال شهر رمضان لإعداد الأكلات اللذيذة والمتنوعة إلى جانب العصائر والحلويات وقبل أذان المغرب يتم تبادل المأكولات بين الجيران لزيادة قوة الترابط والإخاء بين أفراد المجتمع فتصبح المائدة واحدة تجتمع الأسرة لتناول وجبة الفطور، وهي عبارة عن التمر والقهوة إضافة إلى الخَلمه.
والخلمة، هي أكلة شعبية لا يخلو بيت منها وتسمى عند أبناء إب القديمة بالشاباه، وهي عبارة عن عصيد تقرص وتدخل الفرن وتصبح كأقراص دائرية سميكة تقدم مع الوزف الذي هو عبارة عن سمك صغير يحمص ويطحن، إضافه إلى الجبن البلدي وفي بعض قرى إب تقدم الخَلمه مع الزوم وتعتبر وجبة أساسية في الإفطار إلى جانب شربة القمح المجروش أو شربة العدس، بعد ذلك يذهب رب الأسرة مع أولاده لأداء صلاة المغرب في الجامع.
يتوافد الكثير من الناس إلى المساجد لأداء فريضة صلاة المغرب وقبلها يقوم الأهالي ميسوري الحال بتوزيع وجبات الإفطار على الصائمين فترى الموائد معمرة بأنواع متعددة من أصناف الطعام مثل التمر والقهوة والمقليات والأكلات الشعبية والعصائر، طيلة شهر رمضان ونجد روح التكافل الاجتماعي والإخاء والمحبة بين أفرادها وهي ليست عادة غريبة أو دخيلة على أهلها لأنهم سباقون لعمل الخير دائما.
شهر التواصل وزيارة الأقارب
ولرمضان بما يمثله من أجواء روحانية وخصوصية إيمانية لها تأثير إيجابي على كافة جوانب الحياة المختلفة مما يجعله محطة لمعالجة الكثير من القضايا المستعصية وللحوار والتواصل من خلال الزيارات الاجتماعية المتبادلة بين أفراد المجتمع وصلة الأرحام وتوثيق العلاقات.
ونجد النساء يتجمعن في إحدى البيوت فترحب بهن صاحبة المنزل فتقدم لهن الحلويات مثل الرواني ولقمة القاضي وغيرها إلى جانب العصائر أو القهوة وتستقبل ضيوفها في أحسن مكان لديها فتقوم بتقديم أحسن ما لديها من عطور وبخور فحين تمر بين الأحياء تجذبك روائح البخور والعودة التي تنبعث من كل بيت.
كما يجتمع الأطفال فترى شوارع الحي مضيئة مزدحمة بالأطفال فتجدهم مقسمين مجموعات منهم من يلعب كرة قدم ومنهم من يلعب سباق الجري ومنهم من يلعب شد الحبل ومنهم من يغني مكونين فرقة فتسمع الأناشيد المعبرة عن فرحتهم بهذا الشهر الكريم ومنهم من يفضل اللعب بالألعاب النارية رغم ازعاجها للآخرين.
كما تنشط دور المنتديات والفعاليات بين الرجال في أحياء الأمسيات الرمضانية التي تتميز بها محافظة إب بعمل حلقات دينية وثقافية وسياسية ورياضية وصحية والتي عكست بشكل ايجابي على الواقع وإحياء مثل هذه البرامج والإعداد لها والمشاركة من جميع الجهات في المحافظة فنجد الأمسيات تتضمن الجانب التوعوي لغرس قيم المحبة والولاء الوطني وهنا يبرز دور القادة الاجتماعيين من علماء دين وأساتذه أكاديميين متخصصين، كما يقام النشاط الرياضي لكرة القدم والشطرنج والسباحة التي يشارك فيها أبناء المحافظة كخلية نحل تنشط في كل المجالات ولا تقتصر على الصوم والعبادة فقط وهذا ما جعلها مميزة.
الصدقات تتضاعف
وما يشد الانتباه في اب هو تعاون بعض أصحاب القرى منهم ميسوري الحال حيث يقومون بعمل جمعيات خاصة تقطع شهرياً من كل فرد في الأسرة حسب إمكانيته ولو بسهم بسيط فتجمع المبالغ المالية ويقومون بشراء حاجيات رمضان كاملاً وتوزيعها على الفقراء في القرى وعلى الأرامل.
إلى جانب توزيع كسوة العيد وهي تعتبر ظاهر جميلة تدل على مدى التكافل الاجتماعي بين أفرادها وتقوية أواصر المحبة والألفة أتمنى أن تشمل هذه الظاهرة في كل قرى بلدنا التي تعزز صلة الأواصر بين أبناها.
وهكذا، تظل إب وروحانية العبادة والصيام في أجوائها الربانية التي تتفرد بها عن بقية بقاع الارض، ميزة لا تقارن، يسعد بها أهلها وزائريها للأبد.