سلمان الحميدي-خاص
المكحل بطل ثورة، صوت حق، لسان اليمنيين، الصادح بما يكبتونه، الشجاع الذي لم يبتلع لسانه وقد سقطت الجغرافيا في أيدي الأوغاد، وهادن الأوباش أو تماهوا مع مشروع المليشيا، وسكتت جموع اليمنيين عندما لاح لها الخذلان من القريب والبعيد، لن تنفعك إلا يديك، حتى الحيلة فرت من بين الأصابع، لم يبق إلا الصمت المشروع إلى أن يشاء الله.
من بين بواطل الحوثي، ووسط قبضته القاسية، ثمة أبطال حقيقيين، يصعدون فجأة إلى ذرى المواجهة، يعبرون عن استياء الجماهير، وسخط المواطنين، أبطال يصعدون من أكداس الصمت المحتقن، يثورون على الهوان، على الشقاء المجلوب لليمنيين، على النهب والسلب، على العبث، على سرقة المواطنين باسم الله وباسم رسوله، على أفعال الحوثي وأقواله، على كل شيء.
لم يكن حمدي عبدالرزاق، أو المكحل، يتبع حزباً أو قبيلة، لم يكن يدعمه أحد، كما لم يكن يبتغي جني الأرباح من مرئياته في مواقع التواصل الاجتماعي، لم يطلب مشاركة منشوراته، أو تفعيل زر الجرس لمتابعة الجديد الذي سيقوم ببثه. كان يخوض معركة اليمنين وحده، سلاحه عدسة هاتفه وميدانه مواقع التواصل، يظهر وهو يلوك القات، بين أصابعه لفافة دخانه، ومن وسط الحوثيين ينتقد ما يقومون به، جرائمهم بحق اليمنيين، طعنهم في معتقداتهم، يهزأ من خطابات كبيرهم، يفعل كل ذلك بارتجال ودون خوف أو إعداد، لا يهم الموقع الذي سيظهر فيه: من داخل غرفته، أو أمام طاولة المحاسب في المطعم، أو من ساحة مرتفعة في محافظة إب يطل منها على الجميع: الناس وأحوالهم، المليشيا وعنجهيتها، المستقبل وآفاقه.. ومصيره هو، كيمني يقسم بعظمة الله أنه لن يصمت عن القبح المستورد، وإن كان المصير حياته، لأنكم يا حوثيين "كرهتونا الحياة"!.
ما فعله المكحل كان من صميم يمنيته وإيمانه، من حميته على الناس الذين يأكلون من "القمائم" والشرفاء الذين أهانهم الحوثي، ومن غيرته على دينه..
كان يعاتب الصامتين، يلومنا.. كان يشتم، كان به مس من جنون كما يقولون، لا.. كان به مس من الحقيقة المكبوتة في صدر كل يمني..
يظن الحوثيون أو المتحوثون في محافظة إب، أنهم تخلصوا بقتله، من أفكاره، وأخمدوا نار مسيرته التي كان يشقها وحده، لكنهم فؤجئوا بالتفاف اليمنيين حوله وقد صار البطل جثة، والمكحل فكرة لا تموت.
طوال شهر رمضان، تبث وسائل الحوثي، دروساً للقائد الذي كان يصفه المكحل بالسيء، وأعتقد أن اليمنيين سيتداولون طوال الشهر دروس المكحل ومقاطعه، هذا أبسط رد على القتلة على الأقل خلال هذه الفترة.
*
قبل خمسة أشهر تقريباً، كتبت عن المكحل في مقال: «في الأيام الماضية، خرج شاب يعاني من حالة نفسية (بالنظر إلى ما يقوله، والله ما نعاني من حالة نفسية إلا احنا أو الصامتين)، المهم أن الرجل المكحل يملك صفحة على فيسبوك ويعيش في إب ـ المدينة القديمة، وكل حين يقوم ببث مباشر منتقدا الحوثيين وجرائمهم، هو شخص غريب الأطوار: يحب كلام الله ويشتم، يلوك القات ويضحك، يسمع المواعظ والتواشيح التي فرضها الحوثي على مساجد المدينة ويهزأ، يبث كل شيء مباشر بلا خوف أو غير مباشر على يوتيوب، وبلهجة المدينة ولكنته الخاصة وجنونه الذي لا يخطئ الهدف!.
المكحل يسوق دراجة نارية ويبث من على الدراجة أيضاً. ينتقدهم ويقول لهم بمكانه، ينفث دخانه ويفتح شميزه ليسأل الحوثيين فيما معناه: ما الذي ستفعلونه؟ اشتقتلونا.. اقتلونا.. والله ما معكم إلا تقتلونا.. كرهتونا بالحياة!..
عقب ذلك أعلنت الأجهزة التابعة للمليشيا استنفارها للقبض على الأمير المكحل.. حملات أمنية تبحث عنه، وأطقم عسكرية تحاصر المدينة القديمة، والمكحل يخرج بفيديو مباشر من المطعم جوارهم، أو من غرفته على بعد أمتار من تمركز الأطقم. أيام والحوثيون في حالة طوارئ للقبض على شاب يمني محبط نفسياً كل ما يملكه صفحة بالفيسبوك ودراجة نارية!.
شاهدت مقطع فيديو للأطقم التي قبضت عليه، السائق مستنفراً كأنه ألقى القبض على أخطر زعماء العصابات المكسيكية، الونان شغال، والمكحل في الخانة الوسطى ينفث الدخان وكأنه في عالم لوحده!.
مثل هذا يرى أنه صاحب الحق في ماله، أو الحق في الحياة بعيدا عن ضغوطات المليشيا، يؤمن أن أقصى ما سيفعله الحوثيون هو القتل، وهل هناك فرق بين ميتة متقدمة أو متأخرة، قل كلمتك في وجه ناهبك ومن ضيق عليك الحياة، ثم مت أو عش رافع الرأس، لا فرق».
يمن شباب نت