اب بوست-خاص
خلافا لحالة الحميمية التي يصورها إعلام المليشيا الحوثية عن العلاقة التي تربط الجماعة بحزب المؤتمر الشعبي العام في محافظة إب (وسط اليمن)، منذ مابعد مقتل رئيس الحزب علي عبدالله صالح في ديسمبر 2017م، تبدو الصورة على النقيض تماماً حيث لم يعد من ذاك التحالف "المزعوم" إلاّ استغلال ماتبقى من زعامات ووجاهات الحزب في التحشيد للجبهات والفعاليات الطائفية الحوثية كما يقول قياديون مؤتمريون.
وحسب تلك القيادات التي تحدثت لـ "إب بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويتها، فإن مليشيا الحوثي انطلقت في علاقتها مع "مؤتمر إب"، منذ ما بعد مقتل "صالح" من منطلق تعامل المنتصر مع المهزوم فعمدت إلى توجيه ضربات قاتلة لجسد الحزب تمثلت في استقطاب عدد كبير من قياداته العليا والوسطى ووجاهاته المجتمعية، تحت سطوة الغلبة والقوة، مكنها من التوغل داخل الحزب والتحكم بقرارته قبل أن تزيحه من واجهة المشهد رويداً رويدا عبر سياسية إقصاء ممنهجة دأبت المليشيا على التعامل بها مع كل الفرقاء في المحافظات الخاضعة لسيطرتها.
وأضافت المصادر أن مليشيا الحوثي سحقت تحالفها مع حزب المؤتمر، بسلسلة من عمليات الإقصاء والتسريح لكوادره القيادية والوظيفية من مناصبها بالمؤسسات العامة للدولة بما فيها المؤسستين العسكرية والأمنية، وحولته من أكبر مكون سياسي في المحافظة إلى كيان تابع لها، لا حول ولا قوة لقياداته التي لاتزال مرتبطة "اسميا" به.
للوقوف على هذا الواقع تتبع موقع "إب بوست" سلسلة الأحداث لهذا التحالف منذ بداية الانقلاب وحتى الوقت الراهن، عبر "تقرير خاص" ينشره بالتزامن مع احتفال أنصار المؤتمر الشعبي العام بالذكرى الـ 41 لتأسيس الحزب.
"صلاح" بلا صلاحيات!
في منتصف أكتوبر 2014م دخل الحوثيون محافظة إب دون أن يكون لهم أي حضور في المحافظة، وبشيء من الخبث والمكر المعهودان عنها نصبت المليشيا خديعة لحزب المؤتمر بتعيين رئيس فرع الحزب "عبدالواحد صلاح" محافظا للمحافظة، فضلا عن عدم مس مواقع كوادر الحزب في المرافق الحكومية بالمحافظة لفترة من الزمن، وذلك بهدف إبقاء المحافظة تحت إبطها.
شيئاً فشيئاً ولعوامل كثيرة، تغلغلت المليشيا داخل المحافظة وسيطرت على مفاصلها ومؤسساتها مستخدمة الشراكة الصورية مع المؤتمر مبررا ووسيلة لتحقيق غايتها، فأصدرت تعيينات لعدد من الوكلاء للمحافظة مكنتها وبعاملي القوة والسطوة من تشديد قبضتها على المحافظة والتهام مرافقها واحداً تلو الآخر.
مصادر مطلعة على ما يدور داخل أروقة المحافظة، أكدت لـ "إب بوست"، بأن المليشيا عمدت خلال الفترة الأخيرة إلى تقليص مسؤوليات وصلاحيات محافظها "صلاح" بشكل كبير جدا وسلبت منه معظم الصلاحيات التي من المفترض أن يتمتع بها أي محافظ في اتخاذ القرارات بما فيها قرارات تعيين مدراء المكاتب التنفيذية وفقاً لقانون السلطة المحلية، كما سلبت منه الإشراف أو إدارة المكاتب والهيئات والمصالح الإيرادية لصالح سلطاتها المركزية في صنعاء.
وكلاء الحوثي
بعد دخولها للمحافظة وجدت المليشيا نفسها بلا حاضنة شعبية تسند تحركاتها على الأرض، كما أن غالبية المسؤولين في المؤسسات الحكومية بالمحافظة لم يكونوا من أنصارها، فقررت الاستحواذ على أهم مناصب وكلاء المحافظة والاطاحة بالوكلاء السابقين المصنفين حزبيا على المؤتمر الشعبي العام، على غرار وكيل أول المحافظة والوكيل للشؤون المالية والذي يتولى منصبه حاليا القيادي الحوثي علي بن علي النوعه وكذا منصب وكيل المحافظة للشؤون الفنية الذي فرضت المليشيات الحوثية عبدالواحد المروعي أحد اتباعها لتوليه بدلا عن الشيخ عقيل فاضل أحد أبرز قيادات المؤتمر الشعبي العام والرئيس الحالي لحزب المؤتمر بالمحافظة، ناهيك عن الاطاحة برؤساء الادارات بديوان عام المحافظة من المؤتمريين واستبدالهم بعناصر حوثية.
وخلال سنوات سيطرتها على المحافظة، أصدرت المليشيا 13 قراراً بتعيين وكلاء للمحافظة من الموالين لها بعضهم قادمين من محافظات شمال الشمال مثل "صالح حاجب" المنحدر من صعدة والذي عينته وكيلا للشؤون الأمنية والعسكرية ويحيى القاسمي المنحدر من عمران والذي عينته المليشيا وكيلا لشؤون التنمية (انظر الشكل 1)، فضلا عن استقطاب وكلاء آخرين وشراء صمت آخرين.
تعيينات الحوثي لوكلائه على إب، لم تأتي من قوام موظفي السلطة المحلية كما أنه لم يسبق للمُعينين أن تدرجوا في السلم الوظيفي ولا ينطبق على غالبيتهم شروط الوظيفة العامة، ما يؤكد أن الدافع الرئيسي هو الاستحواذ على المحافظة وتهميش وكلاء المؤتمر الذين جرى تغييبهم عن المشهد وحصر مجالات العمل على الوكلاء المستجدين من قيادات الحوثي.
هيمنة حوثية كاملة
في إطار خطتها للسيطرة الكاملة على المحافظة ركزت المليشيا على الجانب العسكري والأمني في المقام الأول عبر المشرفين العسكريين والأمنيين قبل أن تقوم لاحقا سلطاتها الانقلابية بإصدارات تعيينات عسكرية وأمنية لعناصر موالية لها تنتحل رتبا عسكرية وغالبيتهم من خارج المحافظة، على حساب الضباط والقيادات المحسوبة على المؤتمر.
كما عمدت إلى إحلال عناصر حوثية لإدارة أقسام الشرطة ومكاتبها في كل مديريات المحافظة الأمر الذي سهل لها التحكم بإدارة مديريات المحافظة أمنيا وإنهاء النفوذ المؤتمري فيها.
تلى ذلك عددا من القرارات الحوثية الجديدة لتعيين عدد من أتباعها بدلا عن مدراء تابعين لحزب المؤتمر الشعبي العام في مجمل مايقارب 95% من إجمالي المكاتب التنفيذية والدوائر الحكومية في مركز المحافظة لتنعكس تلك التغييرات على مكاتب المرافق الحكومية في المديريات.
وشملت تلك التغييرات في غالبية المكاتب والمصالح والهيئات كـ (الأوقاف والزكاة والضرائب والشباب والرياضة والصحة والاعلام والشؤون الاجتماعية والعمل والاشغال وصندوق النظافة والتحسين والنقل والهجرة والجوازات والسياحة والتجارة والصناعة واراضي وعقارات الدولة والنفط والغاز والمياه والكهرباء والزراعة وغيرها).. انظر إلى الشكل (2).
تغييب دور "المحليات"
وفي سبيل بسط نفوذها وهيمنتها الكاملة على المحافظة سعت مليشيا الحوثي منذ اليوم الأول لسيطرتها على المحافظة إلى تغييب دور المجالس المحلية ومدراء المديريات حيث عيّنت مشرفين لها في كل مديرية يقومون مقام مدير المديرية، وذلك النموذج استمر لسنوات، قبل أن تقوم بتعيين غالبية أولئك المشرفين وآخرين من أسر سلالية مدراء للمديريات، وذلك بعد أن تمكنت من الفتك بحليفها "المؤتمر" عسكريا أواخر 2017م والتفرد بإدارة المشهد الانقلابي في البلاد.
ووفقا لرصد "إب بوست"، فإن المليشيا قامت بتغيير 17 مدير مديرية من حزب المؤتمر من أصل 20 مدير مديرية، واستبدلتهم بعناصر وشخصيات من مواليها، فيما أبقت على ثلاث مدراء في مديريات (المشنة ـ جبلة ـ السبرة) ينتمون إسميا لحزب المؤتمر.. انظر الشكل رقم (3).
ورغم كل مافعلته المليشيا إلاّ أن شهيتها للمناصب ظلت مفتوحة فذهبت إلى تعطيل عمل المجالس المحلية المنتخبة من المواطنين والتي ينتمي غالبية أعضائها وجاهات وقيادات محلية من حزب المؤتمر الشعبي العام، حيث أصدرت قرارات بإنشاء اللجان المجتمعية والتي كان الهدف الرئيسي منها ـ وفقا لمراقبين ـ اقصاء السلطة المحلية وتغييب دورها وإحلال نفسها بدلا عنها.
ويرى المراقبون أن سياسة الحوثي في هذا الإطار هو القضاء التام على التواجد الفعلي للكوادر المؤتمرية في أيٍ من المناصب الحكومية في مؤسسات الدولة لتظل وحدها لاشريك لها في المحافظة التي تدر عليها مليارات الريالات شهريا.
حوثنة التعليم
أبقت المليشيا الحوثي على أحد أبرز قيادات حزب المؤتمر (محمد درهم الغزالي) مديرا لمكتب التربية والتعليم في محافظة إب؛ لكنها ولتأكيد هيمنتها على المكتب وفرض مشروعها الطائفي، نصبّت المليشيا (محمد لطف المتوكل) نائبا له ومسؤولا للوحدة التربوية، وهذا الأخير لا يحمل حتى الشهادة الجامعية، إلاّ أنه بات يتحكم بالمكتب وتفوق صلاحياته صلاحيات "الغزالي" الذي لا يستطيع أن يمرر أي قرار دون موافقة وتوقيع المتوكل.
وخلال سنوات الانقلاب نفذت المليشيا حملات إقصاء شاملة لكوادر المؤتمر من الإدارات التعليمية والتربوية في مكتب التربية بالمحافظة والمديريات وقامت بإحلال عناصر موالية لها دون وجود أي معايير وظيفية أو قانونية لتلك التعيينات سوى أنهم تابعين للمليشيا، الأمر الذي مكنّها من تمرير أجندتها الطائفية ومحاولة تطييف التعليم عبر جملة من الإجراءات المتعلقة بالتغييرات التي استحدثتها في المناهج فضلا عن الأنشطة والتعبئة العامة عبر الإذاعة المدرسية.
وشملت التغييرات في قطاع التعليم، التعليم الجامعي والمهني، حيث ركزت المليشيا جهودها في جامعة إب التي تم تحويلها إلى منصة لنشر الطائفية والفكر الحوثي وإقالة كافة عمداء الكليات ورؤساء الاقسام وإدارة الشؤون الادارية والمالية في الكليات ورئاسة الجامعة وتعيين أشخاص تابعين لها آخرها إقالة أحد أبرز قيادات حزب المؤتمر بالمحافظة الدكتور طارق المنصوب من منصبه رئيسا لجامعة إب، وتعيين آخر بديلاً عنه.
كما تؤكد مصادر مطلعة أن جملة من قرارات التعيين المشابهة أصدرتها مليشيا الحوثي لعناصر تابعه لها كمدراء للمعاهد المهنية والصحية والإدارية الحكومية، وإقالة عدد من مدراء تلك المعاهد المصنفين لدى الحوثيين بانتمائهم للمؤتمر الشعبي العام.
حرب ضد المرأة المؤتمرية
لم تكن المرأة المؤتمرية في إب بمنأى عن التعسفات الحوثية الممنهجة ضد كوادر الحزب في المحافظة، حيث تشير التقارير الإعلامية والحقوقية، إلى أن مليشيا الحوثي قامت بإقالة معظم مديرات المدارس بمركز المحافظة والمديريات بسبب انتمائهن لحزب المؤتمر الشعبي العام، آخرهن مديرة مدرسة الخنساء بمدينة يريم الأستاذة "روما محمد إسماعيل الدماسي"، وتعيين أخرى تُدعى "سلوى عبدالله محمد أبو طالب" بديلاً عنها في أغسطس الجاري.
وفي ذات السياق كانت المليشيا قد سعت بقوة للإطاحة برئيسة القطاع النسائي لفرع المؤتمر الشعبي العام وعضو المجلس المحلي بمحافظة إب "فائزة البعداني" من منصبها كمدير عام لمكتب حقوق الانسان بالمحافظة، إلاّ أن مساعيها باءت بالفشل ـ حتى الآن على الأقل ـ لتلجأ لاحقا إلى تعيين المتحوثه "كوكب الفضلي" نائبا لها.
وسبق ذلك اقصاء "بشرى الصنعاني" إحدى الكوادر النسائية المؤتمرية بالمحافظة من منصبها كمدير عام إدارة تنمية المرأة بالمحافظة بتوجيهات حوثية عليا وتعيين بديلة عنها المتحوثه "نورا السقاف" زوجة القيادي الحوثي "قاسم المساوي" المعين وكيلا للمحافظة.
ومما يؤكد بأن مليشيا الحوثي بمحافظة إب قد تجاوزت سحق شراكتها مع حزب المؤتمر بالمحافظة من المؤسسات الحكومية إلى المؤسسات والنقابات والاتحادات ذات الطابع الاستقلالي (الغير حكومية) ومن تلك الصور ما قامت به قيادات حوثية بمحافظة إب وبالقوة فرض الحوثية "سعاد الشامي" رئيسا لفرع اتحاد نساء اليمن بالمحافظة واقصاء القيادية السابقة في حزب المؤتمر بالمحافظة "حياة الكينعي" من عملها كرئيسة لفرع الاتحاد، في مخالفة لنظام الاتحاد ولوائحه التي تقضي بأن يتم تعيين رئيس الاتحاد والهيئة الادارية والرقابة والتفتيش بموجب انتخابات الجمعية العمومية.
والأمر ذاته ينطبق على ماقام به الحوثي "أبو الطيب المتوكل" المعين مديرا عاما لجمعية الهلال الاحمر اليمني فرع إب، من تسريح للناشطة المؤتمرية "أفراح البخيتي" من عملها كرئيسة أحد أقسام فرع الهلال الاحمر بالمحافظة وفرض أحد الحوثيين بدلا عنها رغم نجاحها وتمكنها في عملها بحسب شهادة زملائها بالعمل.
ماذا بقي للمؤتمر؟
يعرف المؤتمريون جيداً أنه حزبهم مختطف بيد المليشيا وأنه لم يبقى من تحالفهم مع الحوثي في إب إلاّ الاسم وهذا التحالف الصوري يُبقيه الحوثيون بهدف احتواء قطاعات واسعة من المجتمع التي تنطوي تحت مظلته، والاستفادة من جماهيره للتحشيد في الفعاليات التي تقيمها المليشيا أو للتجنيد الإجباري في صفوفها.
وفي هذا السياق يؤكد قيادي مؤتمري لـ "إب بوست"، أن "القيادات المؤتمرية في إب وصنعاء والمحافظات التي تحت سيطرة الحوثي أُجبرت على موقفها الحالي بالإكراه، لكن في جوهر أدبياتها تقف في الجهة المضادة للجماعة، وكل ما تم اتخاذه من مواقف سياسية بعد أحداث ديسمبر كان بهدف الحفاظ على ما تبقى من مؤسسات المؤتمر، وقواعده أمام أي خطط تصفية واجتثاث".
ويضيف مفضلا عدم الكشف عن هويته خشية الملاحقة: أن الظروف في صنعاء وإب وغيرها "واضحة وغير طبيعية ولا تتوفر فيها أي حرية، واستمرار تحالف المؤتمر في صنعاء أو إب مع الحوثيين على الرغم من إعلان رئيسه السابق فض الشراكة يأتي في سياق التماشي مع الواقع".
وأكد القيادي على أن ما يمر به المؤتمر الشعبي العام صورة مصغرة لحالة اليمن الكبير، من حيث "التشرذم والإقصاء"، وبأن الحوثي "مجرد عصابة" لاتملك أي مشروع دولة أو شراكة لإدارة البلاد وبناء الدولة الحديثة التي ينشدها اليمنيون.