اب بوست-خاص
تشهد عزلة خُباز بمديرية العدين، غربي إب (وسط اليمن)، منذ نحو عامين حرباً غير مُعلنة بين أسر من أبناء المنطقة، راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى وخسائر مادية كبيرة في الممتلكات.
وعزلة "خباز" هي أكبر عزل مديرية العدين من حيث المساحة وعدد السكان وتقع غرب محافظة إب وتبعد عن مركز المحافظة بحوالي ٤٠كم، وتمثل أسرة وقبيلة الشهاري ما يقارب 75% من سكانها، بينما 25% من أسر وقبائل أخرى، ظلت في تعايش وسلام طوال عقود من الزمن، إلاّ أنه وخلال العامين الماضيين تحول سلمها إلى حرب وانسلخ نسيجها الاجتماعي والقبلي من التماسك للتشظي ومن الأمن والامان والسكينة إلى صراعات مسلحة نفخت كيرها مليشيا الحوثي وسعرت نارها حتى وصل شررها إلى كل بيت.
آخر نيران الحرب المستعرة تلك التي أشعلها مسلحون في منزل المواطن "أحمدعبدالقادر الشهاري" في قرية ثعوب بعزلة خباز أواخر أغسطس الفائت وبإشراف القيادي الحوثي "أبو حسين الهاروني".
شرارة الحرب
قبل عامين تقريبا نشب في إحدى الليالي خلاف متهور ـ لم يُعرف طبيعته ـ بين عدد من شباب بيت الشهاري مع عدد من شباب بيت الدميني يتزعمهم شخص يُدعى (طلال الدميني) الذي كان في زيارة لعمه (والد زوجته) في قرية ثعوب عزلة خباز، وتطور الخلاف وقتها إلى إطلاق نار بين الجانبين ـ غالبيتهم على ارتباط بالحوثيين ـ قبل أن تتصاعد حدة المشكلة إلى مواجهات ليلية واستهداف متعمد للمنازل وخزانات المياه والممتلكات نتج عنها تضرر عدد من منازل بيت الشهاري واحراق سيارة طلال الدميني.
وبحسب مصادر محلية تحدثت لـ "إب بوست" فإن الصراع كان في بدايته مجرد خلاف بين شباب لكن سرعان ما تطور إلى صراع قبلي بعد تدخل قيادة مليشيا الحوثي في مديرية العدين، ليتطور على نحو لا يمكن التنبؤ بنهايته.
وقالت المصادر إن قيادات حوثية أمنية وجهت عنصر حوثي يُدعى (أبو كهلان الشهاري) للنزول إلى المنطقة تحت مسمى تدارس القضية مع الأطراف (صوريا) فيما كانت تهدف إلى اشعال فتيل الفتنة والحرب في المنطقة ومما يؤكد ذلك توجيه تلك القيادات لمشرف الحوثيين بمديرية العدين المدعو (أبو حسين الهاروني) للوقوف إلى جانب الطرف الآخر "بيت الدميني".
وأضافت أن "الهاروني" نصب كميناً للمتحوث (أبو كهلان الشهاري) فور وصوله للمنطقة نتج عنه اصابات بالغه لعدد من مرافقيه المنحدرين جميعهم من أسرته "الشهاري"، ليدخل الصراع طوراً جديداً بين قبيلة "الشهاري" و "قبيلة الدميني" بدعم أطراف حوثية، وتشهد بعدها المنطقة مواجهات مسلحة متقطعة أسفرت عن قتلى وجرحى وإحراق وتدمير عدد من المنازل والممتلكات رافق ذلك حملات اختطافات متبادلة.
كُلفة باهظة
تسببت الحرب الدائرة في المنطقة والتي زادت حدتها خلال الأشهر الأخيرة بمقتل وإصابة أكثر من 20 شخصاً من الطرفين حتى الآن، فضلا عن خسائر مادية كبيرة وعشرات المختطفين.
وتفيد مصادر "إب بوست" أن سبعة قتلى قضوا على ذمة القضية، فيما أصيب 15 آخرين بينهم امرأة تُدعى (وفاء عبدالله قسام الشهاري).
وحسب المصادر فإن كلاً من (مالك قائد أحمد الواصلي، وعبدالعزيز وشقيقه رياض أمين الشهاري) قتلوا على ذمة القضية خلال الأشهر الماضية، فضلاً عن أربعة عناصر حوثية محسوبين على أمن مديرية العدين والحوثي أبو حسين الهاروني لقوا حتفهم إثر انقلاب أحد الاطقم العسكرية التي خرجت كحملة أمنية لاعتقال ومطاردة أبناء قرية ثعوب بعزلة خباز في يوليو الماضي، إلا أن المليشيات الحوثية لم تفصح لأسرهم عن مقتلهم حتى اللحظة وما زالت تحتفظ بجثثهم في مكان مجهول.
وعلى مستوى الممتلكات أوضحت المصادر أن عدد المنازل المحترقة والمنهوبة بشكل كامل بلغت سبعة منازل، فيما بلغت المنازل المتضررة جزئيا 15 منزلاً (تكسير أبواب ونوافذ، وتدمير خزانات المياه، اتلاف مصادر توليد الكهرباء من مولدات كهربائية ومنظومات طاقات شمسية)، وإحراق سيارة.
وخلال المواجهات المستمرة، عمدت مليشيا الحوثي عبر عناصر الأسرتين المتواجدين داخل تشكيلاتها الأمنية والعسكرية، بشن حملات اختطافات متبادلة تُدير خيوطها قيادات عليا في المليشيا تسعى إلى إذكاء الصراع وتأجيجه.
وحسب المصادر فإن عشرات الشُبان من كلا الأسرتين جرى اختطافهم وإيداعهم في سجون المليشيا من بينهم الطفل (رأفت أمين لطف عبدالرب الشهاري) المحتجز بالسجن الاحتياطي منذ ما يقارب عام ونصف تقريباً.
وأوضحت المصادر أن قيادات المليشيا استغلت الصراع والاختطافات المتبادلة في جني أموال طائلة من ذوي المختطفين مقابل الإفراج عن أبنائهم.
الحوثي المستفيد الوحيد
يرى مراقبون أن تغذية وإحياء النعرات المناطقية وتأجيج الصراع القبلي في مناطق سيطرة المليشيا هي استراتيجية حوثية مخطط لها، بما أنها المستفيد الأول والوحيد من نتائجها، ويؤكدون بأن تلك المليشيات تستهدف وبدرجة أولى القبائل والأسر الكبيرة والاكثر اعدادا وتواجدا وانتشاراً والتي يعدها الحوثي مصدر خطر عليه في ظل ارتفاع وتيرة السخط والرفض القبلي والشعبي ضد مشروعه الكهنوتي الجائر على اليمنيين.
ولعل هذا ما يفسر ـ بحسب المراقبين ـ استماتة المليشيا الحوثية على إبقاء الصراع مفتوحا على مصراعيه ومنع أي تقارب بين الأسرتين في حالة (الشهاري والدميني) بما في ذلك اختطاف وجاهات قبلية من المنطقة سعت للإصلاح والتوفيق بينهما.
ويشير المراقبون إلى أن المليشيا الحوثية تدرك تماما بأنه في حال اندلاع ثورة اليمنيين ضدها في مناطق سيطرتها فإن القبيلة هي الركيزة الأولى والاساسية التي ستتكون منها طلائع الثورة كونها الكيان المتماسك الذي يصعب تفكيكه، وهو ما تخافه المليشيا في هذه المرحلة.
ولفت المراقبون إلى أن المليشيا تخشى تصاعد حالات الرفض والسخط الشعبي التي تشهدها المناطق الخاضعة لسيطرتها وتبلوره إلى انتفاضة وثورة عارمة تطيح بها كما حدث في ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة التي أطاحت بالحكم الامامي البائد، ولذا فهي تعمد على زرع الشقاق والخلافات بين القبائل والأسر كما يحدث تماماً في "خباز" العدين.