اب بوست-خاص
منذ الوهلة الأولى لانقلابها المشؤوم، أفصحت مليشيا الحوثي عمّا في مكنونها وكشفت بشكل صارخ عن أهداف عودتها بعد عقود من التخفي عقب الهزيمة الساحقة التي مُنيت بها سلالتها على يد اليمنيين في السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، هذا الانكشاف بدى جليا عبر التعيينات التي أصدرتها لأنصارها في المناصب العليا للدولة حيث مضت المليشيا ومن منطلق تركيبتها الأسرية السلالية في تثبيت دعائم سلطتها عبر تعيينات طائفية لأسر تدين لها بالولاء والاعتقاد.
موقع "إب بوست" تتبع التعيينات الحوثية في محافظة إب (وسط اليمن)، منذ اجتياحها المحافظة منتصف أكتوبر 2014م، وأعد هذا التقرير الذي يسلط الضوء على تمكين المليشيا للأسر السلالية دون غيرها في المناصب الحكومية وكيف باتت تُحكم قبضتها على كل المؤسسات بالمحافظة.
تمكين السلاليين.. دوافع طائفية
رغم سيطرتها الكاملة على محافظة إب، والسطو على الوظيفة العامة، إلاّ أن المليشيا الحوثية بدت وكأنها لاتثق بما لا ينتمي إلى السلاليين فعمدت عبر سلسلة من التعيينات على تمكين القيادات ذات الانتماء السلالي، من السيطرة على كل المؤسسات الحكومية، وفي مقدمتها المؤسسات العسكرية والأمنية والجهات الإيرادية.
ووفقاً لرصد خاص بموقع "إب بوست"، فإن التعيينات الحوثية للأسر السلالية شملت قيادات من داخل المحافظة وخارجها واستحوذت من خلالها المليشيا الحوثية على ديوان المحافظة والمكاتب الحكومية والمديريات ناهيك عن المؤسستين العسكرية والأمنية.
وبدى واضحا أن مليشيا الحوثي وبالتوازي مع التعيينات للقيادات التي استقدمتها من خارج الخارج عمدت إلى تمكين الأسر السلالية المنحدرة من المحافظة كأسر "المتوكل، الشامي، المساوى، النوعة.. الخ"،... وإذا ما أخذنا أسرة "المتوكل" التي تنحدر من مديرية جبلة، كنموذج نجد أن المليشيا الحوثية سارعت إلى تعيين الكثير من أبناء تلك الأسرة (إحدى أكبر الأسر السلالية في اليمن) في وظائف مهمة بالأمن والتربية والصحة والتخطيط والتعاون الدولي، على حساب معايير الكفاءة والسلم الوظيفي،
وتشير المعلومات التي بحوزتنا إلى تعيين المليشيا نحو 15 شخصا على الأقل من هذه الأسرة في مناصب حكومية كبيرة منذ بداية الانقلاب، وهذا الأمر يشمل وبنسب متفاوتة غالبية الأسر السلالية التي انحازت للمليشيا بعد انقلابها على السلطة.
وفي تعليق على ذلك يرى الصحفي "أحمد الصباحي"، أن "المليشيا تنطلق في هذا النهج من دوافع عرقية وطائفية لتمكين عناصرها من مصادر القوة والقرار في مناطق سيطرتها لإحكام قبضتها على الناس وفرض واقع جديد بواسطة مؤسسات الدولة".
ويضيف في حديث لـ "إب بوست"، أن "هذه الجماعة لا يمكن أن تقبل التعايش والقبول بالآخر وبالتالي يصعب عليها تمكين أي طرف آخر حتى ولو ادعت الشراكة معه في أي مناصب عليا أو متوسطة، وتجربة جناح حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء خير دليل على ذلك حيث أصبح في الهامش".
من جهته يفسر الصحفي "أحمد اليفرسي"، سطو مليشيا الحوثي على الوظيفة العامة، والمناصب الحكومية، وتمكين السلالين لدوافع (غريزية، وعقدية، وإيديولوجية)؛ مفصلاً "أن السلالة ومنذ عرفها اليمنيون مصابة بنهَم التسيد وشهوة الاستحواذ وترؤس المناصب (غريزيا)، وهو داء عنصري تربوا عليه منذ الطفولة، وكبر معهم حتى تحول إلى سلوك عدواني نراه واقعا اليوم".
ويضيف: "أما عقديًا فإنهم يتربون على أن الله اصطفى سلالتهم وشرفها وجعلها سيدة على الناس، وهذه العقيدة عندهم من مقتضيات الإيمان، فهم يرون أن المسلم لا يكون مسلمًا حتى يقر لهم بالأفضلية، والتفوق العنصري السلالي، وإلا فإنه يكفر برسالة محمد الجد الذي ورث لهم الدين وجعله خاصًا بالسلالة كما يزعمون".
ويتابع الصحفي "اليفرسي" في تفسير استحواذ السلاليين على الوظيفة العامة بعد الانقلاب، "نتيجة للنزعة الغريزية السلالية، المثبتة بعقيدة اصطفائية مزعومة، تتحول إلى إيديولوجيا متوحشة تجاه المجتمع الإنساني من حولها، فلا حق في الحياة ولا حق في التعبير ولا حق في الحكم والسياسة والرأي ولا حق في التعليم، ولا حق في أي شأن من الشؤون لأي كائن إلا ما تمنحه تلك السلالة، وما تمنحه هو العبودية فقط...".
واستطرد قائلا: "إن دوافعهم الأيديولوجية في أن لهم الحق الإلهي في الحكم، جعلت من السلالي حاكمًا أوحدًا، يستولي استيلاء شموليًا على الحكم والسياسة والاقتصاد، وكل مجال من مجالات إدارة الدولة وإدارة الحياة العامة، وعلى الجميع أن يخنع ويخضع له".
ملخص السيطرة
وبالعودة إلى حصيلة الرصد التي جمعها محرر "إب بوست" نجد أن مليشيا الحوثي عيّنت 13 من قياداتها خلال سنوات الانقلاب كوكلاء لمحافظة إب، وبعد التحري والتدقيق عن هوية المُعيّنين اتضح أن جميعهم من الأسر السلالية (ينحدر 23% منهم من خارج المحافظة) مايعني أن المليشيا لم تُعيّن وكيلاً واحدً للمحافظة من الأسر الأخرى وهو مايعطي انطباعا عن مدى استماتة المليشيا لتمكين عناصر سلالتها في المناصب الحكومية علاوة على عدم ثقتها بالآخرين.
وعلى مستوى المكاتب الحكومية، كشفت المعلومات عن تعيين المليشيا 15 من عناصرها السلالية في المكاتب التنفيذية بالمحافظة بنسبة نحو 60% من إجمالي تعييناتها الـ 27، مع الإشارة إلى أن 26% منهم من خارج المحافظة.
وبيّنت المعلومات تسليم المليشيا المكاتب الإيرادية والمالية عبر التعيينات التي أصدرتها لعناصر من الأسر السلالية دون غيرهم.
أما بخصوص مدراء المديريات، فكشفت إحصائية "إب بوست"، تعيين المليشيا 17 من عناصرها كمدراء للمديريات، 13 منهم من الأسر السلالية وبنسبة 77%.
الخلاصة الرقمية لتمكين السلالة من حكم إب | |||||||
م | المواقع | اجمالي المواقع المسيطر عليها الحوثي | نسبة التعيينات الحوثية السلالية | نسبة التعيينات الحوثية من خارج السلالة الهاشمية |
| ||
العدد | النسبة | العدد | النسبة |
| |||
1 | وكلاء محافظة اب | 13 | 13 | %100 | 0 | %0 |
|
2 | مدراء عموم المحافظة | 25 | 15 | %60 | 10 | %40 |
|
3 | مدراء مديريات المحافظة | 17 | 13 | %77 | 4 | % 23 |
|
سحق المجتمع وتدمير لمؤسسات الدولة
وبما أن المليشيا تنطلق من دوافعها التي ذكرناها آنفاً في تمكين سلالتها من الوظيفة العامة، فإن لها أهدافا ترمي لتحقيقها من خلال ذلك، تلك الأهداف تمثل خطراً كبيراً على الشعب والدولة كمؤسسات.
وفي حديثه لـ "إب بوست"، يؤكد الصحفي "أحمد اليفرسي"، أن مليشيا الحوثي تهدف إلى "سحق المجتمع معنويًا، لإيصالهم إلى مرحلة اليأس، ثم التسليم لهذه العصابة السلالية، ويترك كل شيء لهم"، مضيفاً: "كما أن تجريف الدولة من الموظفين فيه من المخاطر الآنية والمستقبلية الكثير، فإحلال السلاليين بأي شكل من مستويات القدرات التأهيلية كارثة على أداء الدولة، وأجهزتها، وتنذر بفساد وفوضى بلا حدود".
ويضيف: "وعلى المستوى الاستراتيجي فإن إفراغ تلك الأجهزة والمؤسسات من أبناء اليمن يفرز الواقع إلى طبقتين طبقة النبلاء وطبقة العبيد والمسحوقين"، مشيراً إلى أن ذلك وإن بدى نظرياً أنه لصالحهم لبعض الوقت إلا أنه سينتهي إلى انفجار المجتمع بثورة عارمة كما حدث في أوروبا في نهاية القرن الثامن الميلادي.
تداعيات خطيرة
"بقاء جماعة الحوثي وقياداتها في هياكل ومفاصل الدولة في المناطق التي تحتلها، خطر بحت لأنها جماعة عنصرية ترفض التعايش مع الشعب اليمني ومكوناته"، كما يقول الصحفي "الصباحي".
ويضيف، أن المليشيا ومن خلال تمكين قياداتها في مفاصل الدولة تسعى للسيطرة على القرار ونخر مؤسسات الدولة من الداخل في الحاضر حيث هي من تحكم بالغصب الآن، أو في المستقبل حال تم التوصل إلى "صيغة سلام" وهي بذلك تضمن بقاء عناصرها في كل مؤسسات الدولة ومهمتهم حينذاك ستكون تنفيذ السياسة العامة للجماعة وتنفيذ مخططاتها الطائفية والعنصرية.
ما ذهب إليه "الصباحي" أكده "اليفرسي" الذي حذّر من تداعيات ذلك على المكونات اليمنية بكل تنوعاتها وفصائلها التي باتت بفعل العنصرية السلالية مهددة بالتصفية الكاملة، ودعا إلى التوحد "لاستعادة وطن يستوعب الجميع".