نشوان النظاري-خاص
تذوي الروح خجلى في حضرة الميلاد الأعظم، تنكفئ المشاعر حياء وهي تحلق في سناء النور وميلاد الفجر وبزوغ الإشراق البهي، كان ميلادك يا سيد الإنسانية انعطاف تاريخي رهيب، وتجلي مفصلي في طور التوازنات الكونية.
حبيبنا طه، نحن الهائمون في حبك، نقف بين يديك وفي ذكراك العطرة أجسادا بلا أرواح، نقف وقد اهترأت وتمزقت الوجوه واسودت الجباه، نقف حيارى في زمن المعرفة واشلاء في عصر التكتلات العابرة للقارات.
هذا الغثاء يا سيدي نحن، هذه الاكوام التائهة في فلوات الزمن نحن، فقدنا البوصلة وتمزق الشراع وتاهت سفينتنا في ظلمات البحر وبتنا على حافة الضياع والهلاك، تحاصرنا الثقوب السوداء ويهدد وجودنا الغرق الأرعن.
مذنبون نحن يا رسول الله، وتلك الجحافل البشرية المتحلقة في حضرتك زورا وبهتانا ينشدون الوهم ويتركون ذكراك خلف الشاشات وعلى إمتداد الاستعراض الأخضر الباهت، الكذبة تسري في أعماقنا بسرعة البرق لتصيغ اداءات خاوية هي أقل تعبير عن النفاق المجتمعي والرياء الفاضح.
في كل عام تتسع مظاهر الاحتفال بمولدك، بيد أن نورك الجلي يخفت في القلوب، والاحتفاء يأخذ طابعا برجماتيا فجا. تحتشد الادعاءات بحجم مهول ويتناوب الزيف في تقديرات واقع هش وهولامي لا يرقى للحقائق بصلة، ليتحول مولدك إلى بازار لتعميق الولاء وفرصة سانحة للكسب البائس، ومساحة واسعة للمتاجرة بالمواقف والقناعات وتقليد سنوي باذخ بالتكرار والرتابة.
لا تصدق أحد يا سيدي النبي، كلهم كاذبون حتى أخمص أقدامهم، كلهم يفترون وينهبون وباسم مولدك العظيم ينتهكون كل فضيلة، ولا طريقا واحدا قد يصلنا إليك سوى استلهام سيرتك واتباع نهجك العظيم، نهج النبوة النقي الخالص من شوائب السياسة والمصلحة والاملاءات الانتفاعية الرخيصة، لا أحد قط حاول المضي في نفس الدرب، وسار على طريق النجاة.
ذكرى مولد صاحب المقام الكريم تُطفئ نيران الأشواق وتهز الوجدان وتبلل العمر بانداء سمو الحضور الطاغي، ذكرى مولد الحبيب المصطفى نفحات عاطرة ومحطات تفيض عبرة وتأمل، لذكرى منقذ البشرية ومخلص العالم من الظلمات إلى النور وقفات ودلالات وشغف يستحيل على أية لغة وصفها.
ها أنا ذا أقف بين يديك تائها شريدا خاوي القلب والروح، أبحث عن سبيل للعبور إلى ضفافك الخضراء وقلما أصلي عليك، اعترف أني كنت شحيحا وكنتَ كريما رحيما عطوفا طيب القلب رحمة للعالمين.