اب بوست-خاص
منذ انقلابها على الشرعية وإرادة اليمنيين في 21 سبتمبر 2014، عملت جماعة الحوثي على تكميم الأفواه ومصادرة الحريّات، ونفذت حملات اختطافات بحق المئات من الصحفيين والإعلاميين وناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، فضلًا عن استيلائها على المؤسسات الإعلامية.
ولم يقتصر الاستهداف الحوثي للصحفيين على الاختطافات وتكميم الأفواه، حيث ترى فيهم العدو الأول والأكثرًا خطرًا من المقاتلين في الجبهات، كما ورد على لسان زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي في إحدى خطاباته، ضمن عملية تحريض واسعة، نتج عنها مقتل عشرات الصحفيين خلال الحرب المتواصلة في اليمن منذ تسع سنوات، ونزح المئات منهم إلى خارج نطاق سيطرة الجماعة المدعومة إيرانيًا.
وبحسب تقارير حقوقية وإعلامية، أصبحت الصحافة من أخطر المهن في اليمن، نظرًا لحدوث الانتهاكات بحق الصحفيين والحريات الإعلامية في مختلف المحافظات، مع فارق كثافتها وارتفاع نسبتها في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية.
في سبتمبر الماضي، نقلت "العربي الجديد" عن لجنة الحقوق والحريات في نقابة الصحفيين اليمنيين، أن هناك قرابة 1600 انتهاك طالت الحريات الإعلامية منذ بداية الحرب، منها 54 حالة قتل، فيما ما يزال 4 صحفيين معتقلين لدى أطراف مختلفة.
إبّ نموذجًا
وتُعدّ محافظة "إب" من أبرز المحافظات التي تعرض ناشطوها وصحفيوها للقمع وتكميم الأفواه والاختطافات والملاحقات.
ووفق مراقبين إعلاميين، فإن نشطاء إب كغيرهم من مئات النشطاء الذين يعيشون في مناطق سيطرة الحوثيين، لم يتوقفوا عن نقد ممارسات الجماعة المدعومة من إيران، بل لجأوا إلى حيَل أخرى وأساليب جديدة تضمن سلامتهم، من خلال فتح صفحات وحسابات مستعارة في مواقع التواصل الاجتماعي، فتجاوزوا من خلالها القيود المفروضة ومارسوا أنشطتهم الناقدة لممارسات الحوثي والكاشفة لانتهاكاتها الواسعة.
وأشاروا إلى تزايد انتشار الصفحات والأسماء المستعارة المهتمّة بمستجدات إب، على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا في الفيسبوك و إكس (تويتر سابقًا)، وتعمّد منشئوها عدم كتابة أسمائهم الحقيقية، لأسباب احترازية أمنية، خصوصًا بعد تعرض نشطاء لانتهاكات حوثية واسعة، تجاوزت الاختطاف إلى التعذيب والقتل، كما حصل مع الناشط "حمدي المكحّل"، الذي اختطفته المليشيا وقامت بتعذيبه وقتله، على خلفية انتقاده لممارساتها وانتهاكاتها الواسعة.
الهروب إلى فضاء مفتوح
أمام هذا الواقع المحكوم بالخوف في محافظة إب ومختلف مناطق سيطرة الحوثيين، فرّ الكثير من الصحفيين والناشطين إلى النشاط بأسمارة مستعارة.
الإعلامي احمد اليفرسي، قال لموقع (إب بوست): إن الكثير من الكتاب والناشطين عمدوا إلى الهروب من القمع الحوثي بصناعة شخصيات وهمية يتحركون من خلالها إلى حيث يريدون، يمارسون النقد والثورة الإلكترونية والتمرد على سلطة الإرهاب القمعي الحوثي.
ويرى اليفرسي أن هذا شيء طبيعي، وليس عيبا ولا انفلاتا، وفي الواقع الهمجي يهرب الأحرار إلى فضاء مفتوح ليقولوا ما يشاؤون، مع الحفاظ على حيواتهم من القتل والقمع والملاحقات.
لم تلقَ الاهتمام المطلوب
وبالرغم من كثرة الحسابات المستعارة والصفحات الوهمية التي تنتقد ممارسات وانتهاكات الحوثيين في محافظة إب، إلا أن هناك من يعتقد بوجود حسابات وهمية أشبه بالـ (مصيدة).
الناشط إبراهيم عسقين، المستشار الإعلامي لمحافظ محافظة إب، يرى "أن غالبية الحسابات الوهمية بل نسبة كبيرة منها لم تلق ذلك الاهتمام الذي أنشئت من أجله".
وأضاف لموقع (إب بوست) أن "الكثير من أبناء محافظة إب يعرفون ماهية تلك الحسابات ومن يقف خلفها، لكن الخوف من مهاجمتها علنا يجعل الكثيرين منهم يتجنبون مواجهة حقيقتها بشكل علني ويتخذون بحقها القاعدة المجتمعية التي قالها الفنان الكبير أبو بكر: لا أفتش مغطى ولا أغطي على مفتوش".
منصات في ظروف قمعية
وعن تقييم أداء ما تقوم به الكثير من تلك الصفحات على واقع محافظة إب، قال الإعلامي احمد اليفرسي، إن "تقييم الأداء لتلك الصفحات بمعايير العمل الإعلامي والحقيقة غير موضوعي ولا منصف أبدا. مضيفًا: "نحن نتحدث عن منصات في ظروف قمعية ولا أحد يدري بدوافع ولا خلفيات أصحابها، ومن باب أولى لا نستطيع إلزامها بمعاييرنا المهنية".
وأشار إلى أنها "منصات شعبوية قد يديرها شباب لا يمتلكون أيا مما نطالبهم به".
وبحسب اليفرسي، "هناك صفحات تمارس الابتزاز الأخلاقي، وصفحات تمارس دور الدفاع عن المظلومين، ثم تأخذ أجرتها من الظالم والمظلوم..؛ وهناك صفحات تقوم بدور الصحافة الصفراء". مضيفًا: "نحن في واقع منفلت تماما.. علينا أن نشجع المنصات الأهلية التي تحمل مظلومية المجتمع بكل شرائحه، ونحاول بناء وعي إعلامي قدر الإمكان".
وكان عضو الهيئة الإدارية لنقابة الصحافيين اليمنيين نبيل الأسيدي، قال لـ"العربي الجديد"، إن "هناك آلة قمعية مختلفة لدى كل الجهات في اليمن، وإن تفاوتت حدة الانتهاك بين طرف وآخر".
وأشار الأسيدي إلى أنه أنه خلال فترة الحرب ازدادت حدة الانتهاكات ضد الصحافيين، وبالتالي باتت هناك مساحة لاستخدام أسماء مستعارة في مراسلة وسائل الإعلام المحلية والخارجية أو في إيصال الانتهاكات للمنظمات الدولية".
ويؤكد صحافيون ونشطاء في إب ومناطق أخرى في نطاق سيطرة المليشيا الحوثية، أنهم يضطرون للكتابة بأسماء مستعارة، من خلال إنشاء صفحات وحسابات متعددة، خوفًا من انكشاف أمرهم، خصوصًا أنهم يتناولون الممارسات والانتهاكات الحوثية التي لا تتوقف إلا لتبدأ من جديد.