نشوان النظاري-خاص
استمر في السقوط حتى القاع، واصل رحلة الاستجمام في الوحل الموبوء والقذارة المادية اللعينة. هل ستتوقف يوما ما وتدرك حجم الهدر الكارثي لانسانيتك؟ من الصعب عليك فعل هذا، أو مجرد التفكير بالترفع ولو قليلا، كما بات جليا أنه من المستحيل أن تقوم بشق طريقك عصاميا نظيفا أنيقا، ذلك أن الحياة لم تجبلك على مثل هكذا نمط، بل تركتك مذ زمن بالمؤخرة تلهث خلف الجميع.
أسوأ شيئ في هذا الكون على الإطلاق إدعاء المثالية، بيد أن حياة الزيف والتصنع والتعرية وصناعة الوهم والتعايش مع الكذب بوصفه وسيلة ابتزاز ناجعة، أمر فظيع وسيئ للغاية، وكم هي الكذبات السائبة في هذا الوطن المعلق على حافة الضياع.
أعترف أن لديك مهارة إبداعية ماكرة وفائقة وفريدة، ولديك أيضا طرق غير تقليدية في اصطياد الآخرين تجعلك وعلى الدوام في المقدمة، لكن المقابل دنيئ ولا يرقى لكل ذلك الرخص والانسلاخ، ها أنت ذا تبيع كل شيء وبثمن بخس، وتصر على فعل ذلك عنوة، وتحسب ما تصنعه ذكاء وعبقرية وقدرات خارقة فيما كل ذلك العبث ليس أكثر من هدر للذات والمروءة والرجولة.
لم يبق سوى الكرامة وقد انصهرت حتى العضم، لم تقم حدا لشيء، واصررت على المضي بذلك الدرب المفروش بالاستجداء العام، وقد حققت أرباحا نسبية لكن في النهاية أنت تخسر ذاتك، فمع مرور الأيام تتهتك الذات، وتهترئ الشخصية، وتصاب بمتلازمة إدمان حياة الرخص والتسلق والعيش طمعا بما في أيدي الآخرين.
أياً يكن ما تمر به فأنت الاخف حملا والأخفض مسؤولية، فقط أنت تغرق نفسك في العدم، وتضع آدميتك على المحك، إذا لا أحد هنا أقل منك مأساة، تبدو ربما في أنصع حالاتك بيد أن هوى الإذلال والانسحاق والتمادي في طلب الآخر يجرك للهاوية، هاوية الشعور بالنقص الاجتماعي الحاد والمركب عوضا عن الإحساس بالامتلاء والاكتفاء والرفعة.
في المحصلة النهائية تبدو اليوم منتج سيئ السمعة رديء التعامل، تخسر كل ما تظن أنك كسبته بطرقك الملتوية بمنتهى السهولة، أنت تتداعى وتنهار من الداخل، رصيدك ينفد وحجمك يتقلص ولا جدوى من محاولة السير في مضمار مفرغ من الأخلاق، حتما سيتكشف كل شيء لتبقى ذات يوم وحيدا معزولا إلا من حفنة مخدوعين سيأخذون كالعادة دورتهم في عالمك اللعين، ثم سيوصدون الأبواب في وجهك، لذا تدارك الأمر وعد لرشدك، وانتشل بقاياك وثق أن الحياة لا تستحق كل هذا الانحدار والسقوط البخس.