ياسين التميمي-خاص
ثلاثة عشر عاماً مرت على اندلاع ثورة الحادي عشر من فبراير/ شباط 2011، ما انطفأت شعلة الحرية، ولم تغادر المسامعَ هتافاتُ مئات آلاف الشباب والرجال والنساء والأطفال، التي صدحت باسم الحرية والكرامة؛ في ميادين وساحات الحرية والتغيير، وما استطاع أعداؤها أن يفرضوا مشروعاً سياسياً بديلاً عن ذلك الذي أنتجه إجماعٌ وطنيٌ نادرُ الحدوث في تاريخ اليمن.
نعم تبدو السنوات الثلاثة عشر، طويلة جداً؛ بالنظر إلى الأثقال والأهوال التي أُلقيت دفعةً واحدةً، امام ثورة فبراير (ربيع اليمن)، لكن صمود المؤمنين بهذه الثورة؛ أمام جيوش من الأعداء المدججين بالإمكانيات العسكرية والمادية والأحقاد الأيديولوجية، والسلطوية، والأنانية السياسية، والشوفينية السلالية، كان مذهلاً حقاً، وما يزال.
طيفٌ لا يستهان به من الأعداء متعددي المشارب والمشاريع والتوجهات، توحد حول استهداف الثورة كجزء من ربيع العرب، نجح في تعطيل مشروعها السياسي النبيل، لكن إرادة الدفاع عنه تتصل بمدد لا ينقطع من المناضلين والمقاتلين، والباذلين نفوسهم دون تردد. وبهؤلاء الأبطال يصطدم حلفُ الشر، الذي عمل من غرف عمليات نشطة، وجنَّد المليشيات، والمرتزقة، وجيوش الانتهازيين والمتساقطين، واليائسين.
في كل بلدان الربيع، أعيد إنتاج سُلطات أكثر قمعاً ودكتاتورية وتبعية للمشاريع الخارجية، ثم تُركت تواجه مصيراً بائساً على المستويات السياسية والاقتصادية والمعيشية، حتى يُلقى بوزر المآلات السيئة هذه إلى الربيع العربي، فتغرق الشعوب في هموم العيش، ولا تفكر مرة أخرى في الخلاص والحرية وفي الحرية والكرامة.
وفي بلدان الصراعات الممتدة مثل اليمن، أُعيد فرض سلطة هشة من شخصيات معظمها تقيم عداء مستعصياً مع ثورة الحادي عشر من فبراير، وفي ساحة نفوذها زُرعتْ جماعاتٌ مسلحةٌ؛ طائفية ومناطقية (انفصالية) وسلطوية، مُنحت كل أشكال الدعم، ليبدو المشهد فوضويا مشحوناً بالصراعات المتعددة المشاريع، وليحدث كل ذلك الصدمة الكبيرة في وعي اليمنيين، فتنسيهم حلم التغيير.
لا يجب أن يكابر أحدٌ عن التسليم بحقيقة أن تجربة الـ:13 عاماً؛ حصَّنت الوعي الوطني؛ إن لم يكن حول قدسية ثورة 11 فبراير ونبل أهدافها؛ فعلى الأقل؛ حول خيار التمسك بالوطن، والجمهورية، والديمقراطية وحولتها إلى ثوابت راسخة؛ أكثر من أي وقت مضى، وهي جوهر العقيدة السياسية لهذه الثورة ومصدر شرعيتها الوطنية والتاريخية.
كونوا على يقين بالنصر.. فها نحن نرى اليوم حلف الثورة المضادة الخارجي والداخلي، بطيفه الحالك الألوان، يتفكك أمام أعيننا، بعد أن اختبر كل المحاولات، وأفرغ أنانيته وحقده، واستباح ودمَّر وقتل.
وها نحن نرى مشاريع هذا الحلف تتحطم؛ لأنها ببساطة؛ فعل لا يتأسس على قاعدة أخلاقية، في مقابل ثورة نبعت من عمق الشعور الوطني بالتحرر؛ فجاءت بذلك العنفوان الذي شهدناه على مدى أكثر من عام، واستطاعت أن تحول الطاقة السلمية والإرادة المجردة من العنف والكراهية، إلى أمضى سلاح لهزيمة الدكتاتورية، فوضعت اليمن أمام تحول عظيم نحو المستقبل، وأنجزت الدليل السياسي للانتقال نحو الديمقراطية والحرية والعيش الكريم، وشرعت في إنجاز هياكل السلطة الجديدة المنتخبة وبدأتها بانتخاب رئيس الجمهورية.
كان الانتقال الديمقراطي الذي فرضته ثورة الحادي عشر من فبراير؛ على قاعدة الشراكة الوطنية الكاملة، إنجازاً عظيماً ويدعو إلى الفخر، أقر بنجاحه المجتمع الدولي، قبل أن تتحول البوصلة الأخلاقية لهذا المجتمع نحو هدف القضاء على الربيع العربي؛ فوفر الغطاء للاستدعاء العدائي لجماعة الهدم الثوري الحوثية الطائفية، وأزلام السلطة العميقة، لتقويض السلطة التي أنجزتها ثورة فبراير.
لقد دفعوا ودعموا تأسيس سلطة أمر واقع انقلابية في صنعاء، تبدت ملامحها الشوفينية، والشمولية، والدكتاتورية، والطائفية، من أول يوم؛ من خلال التنكيل بثوار فبراير وبرجال ونساء التغيير، وانخرطوا في معارك ضد اليمنيين بأجندة أمريكية خالصة.
لذا يجب أن يبقى الجميع على يقين تام بأن الاتصال غير المُخطط لهذه الجماعة الإجرامية بقضية الدفاع عن غزة، لا يجب أن يحُدث أي خلط في يقيننا، بين نبل القضية الفلسطينية ورجالها والمقاومة التي تدافع وتضحي لأجلها، وبين المناورة الجيوسياسية لجماعة الحوثي، التي تريد أن تسرق الضوء والبعد الأخلاقي لحرب غزة، لتعزيز قبضتها السلطوية؛ التي تمارس فيها كل أشكال الإجرام الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني؛ في غزة والضفة الغربية، من حصار وتجويع وتعطيل للحقوق السياسية والمدنية..
فبراير مجيد.. كل عام وأنتم بألف خير..